مدونة الحقوق والعلوم السياسية

الأحد، 3 أكتوبر 2021

مقال موسوم بعنوان: التعاون بين الجماعات الإقليمية دراسة في القوانين الوطنية والدولية

لتحميل المقال أضغط الرابط أسفله

الكاتب : أحمد مراح .

الملخص

هدفت هذه الدراسة إلى بيان التعاون بين الجماعات الإقليمية على ضوء النصوص القانونية الوطنية، باعتبار أنه يعد أحد العوامل المساعدة للنهوض بالتنمية المحلية وتحقيق المزيد من الاستقلالية للجماعات المحلية، وأيضا التعاون الدولي على أساس أنه هو الآخر يشكل فضاء مهما للجماعات الإقليمية، وذلك من أجل الاحتكاك بنظيراتها الأجنبية والاستفادة من خبرات وتجارب ومساعدات البلديات الأجنبية في مجال التسيير، ومن ثم سنركز فقط على اتفاقية التوأمة والمنظمات الدولية. كما أننا توصلنا في هذه الدراسة إلى مجموعة من التوصيات نظن أن الأخذ بها سيساهم في إصلاح الجماعات الإقليمية، والنتيجة تحقيق التنمية المستدامة.

الكلمات المفتاحية

التعاون؛ الجماعات الإقليمية؛ التنمية؛ المواطن؛ الرقابة.

التعاون بين الجماعات الإقليمية

الخميس، 20 أبريل 2017



دخول آلية الرقابة الدستورية حيز التنفيذ سنة 2019

  
أعلن رئيس المجلس الدستوري السيد مراد مدلسي يوم الخميس بالجزائر العاصمة أن آلية الرقابة الدستورية عن طريق الدفع  التي يتيتح لكل مواطن المقاضاة أمام جهة قضائية من المقرر دخولها في النشاط سنة 2019.
وأكد السيد مدلسي خلال محاضرة قدمها رئيس المجلس الدستوري  الفرنسي لوران فابيوس حول "المسألة الأولوية للدستورية" قائلا "تجدر الإشارة إلى أن من بين المكاسب الجديدة التي تحققت بموجب المراجعة الدستورية لسنة 2016 في بلادنا هناك تكريس آلية الرقابة الدستورية عن طريق الدفع".
و أوضح أن هذه الآلية "تمثل حقا جديدا معترف به لكل متقاضي في المرافعة أمام جهة قضائية أثناء دعوى يكون في حكمها القانوني المتوقفة عليه نتيجة الخلاف مساس بالحقوق و الحريات التي يكفلها الدستور".
و أضاف أن دخول هذه الرقابة الجديدة المخولة للمجلس الدستوري حيز التنفيذ سيكون سنة 2019 طبقا للدستور".
ومن جهته أوضح السيد فبيوس أن المسألة الأولية الدستورية شكلت "مرحلة هامة" في مسار إسناد مهمة البث للمجلس الدستوري الفرنسي مشيرا إلى أن الفكرة ترمي إلى فتح المجلس الدستوري لجميع المتقاضين و تمكينهم من الاحتجاج على دستورية الأحكام القانونية التي تم إصدارها.
و أوضح في هذا الإطار أن المسألة الأولية الدستورية في فرنسا لا يمكن إثارتها من العدم ضد أي حكم قانوني موضحا أنه يتعين إدراجها في إطار دعوى جارية أمام  جهة قضائية إدارية أو قضائية.
و أوضح الوزير الأول السابق و رئيس الدبلوماسية الفرنسية بهذا الشأن انه منذ 2010 (تاريخ بداية العمل بالمسالة الأولية الدستورية) فإن مجلس الدولة و محكمة النقض أصدرا 2.945 قرارا منها 2.321 غير قابل للطعن) و(نحو 80 بالمائة) و224 قابل للطعن أمام المجلس الدستوري (نحو 20 بالمائة).


المعلومات منشورة على الموقع الإلكتروني:
http://www.aps.dz/ar/algerie

شرط المصلحة في دعوى الإلغاء


شرط المصلحة في دعوى الإلغاء (دراسة مقارنة)

                                                                                            بقلم الأستاذين:  
أ. يخلف عبد القادر  (باحث دكتوراه علوم في جامعة الأغواط)-   أ . مراح أحمد  (باحث دكتوراه علوم في جامعة تلمسان)  
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          
مقدمـــــة
تعتبر المصلحة في مجال التقاضي شرطا أساسيا من شروط الدعوى, ولذلك أعتبر الفقه القانوني المصلحة معيار الدعوى، فلا تقبل دون توافرها[1]، وهذا لمنع الدعاوى الكيدية التي تصل إلى القضاء دون أيّة تبرير. لهذا فإنّ أحكام القضاء والشرائع في الدول المختلفة استقرت على ألّا تقبل الطلبات المقدمة من أشخاص ليست لهم مصلحة، بل أنّ العديد من التشريعات قامت بتنظيمها والنّص عليها صراحة كشرط يجب توافره في رافع الدعوى بهدف مخاصمة مشروعية القرار الإداري.
وعلى هذا الأساس فإنّ الموضوع أثار العديد من التساؤلات تمثلت على النحو التالي: ما المقصود بالمصلحة في دعوى الإلغاء؟ وما هي خصائصها؟ وهل يشترط توافر المصلحة عند رفع الدعوى أم لا؟ وهل يمكن أن يستمر توافر المصلحة من وقت رفع الدعوى لحين الفصل فيها؟ وما حكم زوال المصلحة أثناء النظر في الدعوى؟ وما طبيعة الدفع بانعدامها؟
هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها، بإتباع المنهج الوصفي، وأيضا المنهج التحليلي مستندين في ذلك على كلاً من أراء الفقهاء وأحكام القضاء الإداري، إضافة إلى المنهج المقارن لمعرفة النقائص بهدف تحسين الأوضاع.
 وهذا ما سنحاول معالجته في هذه الدراسة من خلال محورين الأول نخصصه لتحديد ماهية المصلحة في دعوى الإلغاء، والثاني نبيّن فيه وقت توافر المصلحة في دعوى الإلغاء وطبيعة الدفع بانعدامها.
المحور الأول: ماهية المصلحة في دعوى الإلغاء
بدءا من أنّ المصلحة تعتبر أساس الدعوى، فعدم وجود الأولى لا يتم قبول الثانية؛ بمعنى أنّ رافع الدعوى يشترط أن يكون له منفعة يمكن تحقيقها في حالة تحقيق طلباته، وإذا لم يكن له مثل المنفعة لا تقبل دعواه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يشترط القضاء الإداري –حماية لمبدأ المشروعية– أن يكون القرار المطعون فيه من قبل الطاعن قد مس حالة قانونية تجعل لهذا الأخير مصلحة في الطعن بالإلغاء، وعليه سنوضح في هذا المحور مفهوم شرط المصلحة (أولا)ثم سنتطرق إلى خصائص هذه المصلحة (ثانيا).
أولا: مفهوم المصلحة
تعرّف المصلحة في الدعوى على أنّها مجموعة من المزايا والفوائد والقيم المادية والمعنوية الحالة والمحتملة التي يتحصل عليها الشخص من جراء استعماله لحق أو لعمل[2]، فالمصلحة سبب الدعوى ومناطها الّذي تكون بدونها إهدارا للوقت وإشغالا للقضاء بما لا طائل من ورائه، في حين أنّ السلطة القضائية يجب أن يكون انشغالها بما فيه تحقيقا للعدل، ومن ثم فإنّ المصلحة في الدعوى تمثل قيدا بديهيا على إقامتها لضمان جدية الادعاء. 
فالمصلحة إذن هي مضمون الحق في الدعوى الذي ينشأ حينما يحدث عدوان على أحد الحقوق أو المراكز القانونية مما يحرم صاحبه من منافعه بحيث يحتاج لحماية القضاء، فهي بهذه المثابة تتمثل في الحاجة إلى حماية قضائية[3].
زد على ذلك،أنّه كلما كانت هناك مصلحة قانونية تحتاج إلى الحماية القضائية وجد الحق في الدعوى الذي يعد واحدا من الحقوق الإرادية الذي ينشأ جراء الاعتداء على الحق أو المركز القانوني فيخول لصاحبه الحق في الحصول على الحماية القضائية؛ إذن لكي تنشأ المصلحة في الدعوى يجب أن[4]:
1- يوجد الحق أو المركز القانوني.
2- أن يقع عليه اعتداء.
3- أن يدعي شخص هذا الحق أو المركز القانوني.
و تقضي بذلك القاعدة العامة في القانون أنّ لكل شخص حق في الدعوى كلما كانت هناك مصلحة قانونية تحتاج إلى الحماية القضائية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، ولهذا يقال: » أنّ المصلحة معيار الدعوى«[5].
كما تعرّف المصلحة أيضا على أنّها الحاجة إلى حماية القانون، أو هي الفائدة التي تعود على رافع الدعوى من الحكم له بطلباته. وتعبير المصلحة في الدعوى له وجهان: وجه سلبي ويتمثل في منع من ليس في حاجة إلى حماية القانون من الالتجاء إلى القضاء. والثاني إيجابي هو اعتباره شرطا لقبول دعوى كل من له فائدة من الحكم فيها[6].
أمّا المصلحة في دعوى الإلغاء[7] لا يشترط أن تكون مستندة على حق اعتدى عليه، إنما يكفي أن يكون صاحب الحق في حالة قانونية خاصة من شأن القرار الإداري المطعون فيه. وعلى هذا النحو يتضح مدى اتساع نطاق شرط المصلحة في دعوى الإلغاء عنه في الدعاوى العادية، ويبرّر ذلك بالاختلاف بين طبيعة الدعويين، حيث تنصب الخصومة في دعوى الإلغاء على قرار إداري غير مشروع، يرتب إلغاءه مصلحة عامة للمجتمع تتمثل في حماية مبدأ المشروعية، وبذلك تكون بمثابة دعوى عينية وليست شخصية، إضافة إلى أنّ هدف هذه الدعوى هي حماية المصلحة العامة من خلال الرقابة على أعمال الإدارة والتأكيد على احترامها لقواعد القانون[8].
ثانيا: خصائص المصلحة في دعوى الإلغاء
إنّ القضاء الإداري في دعوى الإلغاء يعطي للمصلحة مدلولا أكثر اتساعا وشمولا، فهو لا يشترط لتحقق المصلحة في رافع هذه الدعوى أن يكون هناك حقا قد مسه القرار المطعون فيه، بل يكفي أن يكون الطاعن في مركز خاص أو في حالة قانونية خاصة بالنسبة للقرار المطعون فيه من شأنها أن تجعله مؤثرا في مصلحة ذاتية للطالب تأثيرا مباشرا، بعبارة أخرى يكفي لتحقق شرط المصلحة في دعوى الإلغاء أن يكون القرار المطعون فيه قد مسّ حالة قانونية خاصة بالطاعن تجعل له مصلحة مباشرة في الطعن بالإلغاء[9].
 ولذلك هدف القاضي الإداري دائما هو التيسير على الطاعنين ما أمكنه ذلك حتى تتوفر في النهاية حماية قواعد المشروعية. فالشرط الوحيد لتحقق المصلحة هو أن تكون مصلحة شخصية ومباشرة لرافع دعوى الإلغاء، وهذا يكفي، وإذا ما تحقق هذا الشرط يستوي أن تكون تلك المصلحة حالة أو حتى محتملة، كما يستوي أن تكون للطاعن في القرار مصلحة مادية أو حتى مجرد المصلحة الأدبية[10].
ولتفصيل هذه الخصائص أكثر سنحاول تقسيم هذا الفرع إلى المصلحة الشخصية والمباشرة (1)، المصلحة المادية والأدبية (2)، المصلحة المحققة والمحتملة (3).
1- المصلحة الشخصية والمباشرة
    يشترط القضاء الإداري أن يكون للمدعي مصلحة شخصية مباشرة في رفع الدعوى وذلك بأن يكون القرار المطلوب إلغاؤه، قد مس حالة قانونية خاصة بالمدعي وليس من اللازم أن يصل الأمر إلى حد أن يكون للمدعي حق أثر فيه هذا القرار، وذلك لأن طلب إلغاء القرارات الإدارية إنما هو طعن موضوعي يوجه إلى القرار الإداري ذاته[11]. ويتحقق شرط المصلحة - الشخصية- في دعوى الإلغاء بتوافر قدر من العلاقة بين القرار الإداري المطعون فيه ومركز المدعي، ومعنى ذلك أنّ المركز القانوني للمدعي لا يخوله حقا لأن يرفع دعوى ضد أي قرار إداري وإنّما يمنحه صفة للطعن في القرارات التي يتعلق موضوعها بهذا المركز، فالمقصود من دعوى الإلغاء ليس الدفاع عن حق كل شخص في ضرورة احترام الإدارة لمبدأ المشروعية، وإنّما يراد بها الدفاع عن حق الفرد في أن لا يضار شخصيا من إهدار المشروعية، ولذا لا يكفي لقبول دعوى الإلغاء الاستناد إلى المصلحة العامة، بل يلزم أن يكون للطاعن مصلحة شخصية تقوم قرينة على جدية الدعوى[12]، والقول بغير ذلك يجعل من دعوى الإلغاء دعوى شعبية Action Populaire التي كانت معروفة في القانون الروماني أو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بدعوى الحسبة[13]. وبالتالي فالدعوى المرفوعة من شخص ليست له فيها مصلحة شخصية لا تقبل أيا كانت صلته بصاحب المصلحة الشخصية في ذلك، لأنّ الشخص لا يملك إلا التقاضي في حق نفسه فقط وليس من حقه أن يتولى التقاضي بالنسبة لغيره إلا بموجب نيابة قانونية صحيحة، ونتيجة لذلك:
لا تقبل دعوى الشقيق الذي يطلب إلغاء قرار امتناع الإدارة عن تجديد جوازات السفر الخاصة بإخوته، ولو كان أكبر أفراد الأسرة والقائم على شؤونهم.كما لا يقبل من الورثة أن يحلوا محل مورثهم بصفة آلية في السير في إجراءات دعوى الإلغاء إذا مات مورثهم قبل صدور الحكم فيها، إلّا إذا كانت لهم مصلحة شخصية ومتميزة عن مصلحة المورث، حيث أن طلب الإلغاء لا يورث.
       إن هذه التطبيقات القضائية وغيرها والتي جاء بها القضاء الإداري الفرنسي تدل على أن المصلحة يجب أن تتميز بنوع من التفريد في مواجهة القرار الإداري المخاصم بحيث يكون المدعي منتميا إلى دائرة يدخل فيها القضاء جماعات واسعة دون أن يصل الأمر إلى حد خلطها بالمصلحة العامة التي لكل مواطن في أن تتصرف الإدارة في حدود الاختصاصات المنوطة بها[14].
     أما المصلحة المباشرة، فيقصد بها أن يحدث القرار الإداري المطعون فيه تهديدا مباشرا للمركز القانوني للطاعن بصورة كافية، وهذا راجع إلى الطابع الفردي لها، إذ عندما تكون المصلحة غير محددة فإنّ قبول الدعوى التي يرفعها الطاعن دفاعا عن مصلحة غير مباشرة، غامضة وغير معروفة، يؤدّي إلى المخاطرة بصدور حكم قضائي من الممكن أن يضر مباشرة بمصالح الآخرين.
غير أنه لا يوجد معيار لتحديد هذا الشرط، وإنما يتولى القضاء تحديده في كل حالة على حدى، وقد قدّم القضاء الفرنسي العديد من التطبيقات لهذا الشرط، فقضى بعدم توفره بالدعوى التي يرفعها المقاولون والتي يطلبون فيها إلغاء قرار بمنح تخفيض ضريبي للممولين الذين يقومون بادخار دخلهم من أجل تشييد عقارات للسكنى، استنادا إلى أنّ هذا القرار سوف ينعكس سلبا على أنشطتهم المهنية، والدعوى التي يرفعها كتاب المحاكم بإلغاء القرار الذي يفرض التحصيل المباشر للغرامات الخاصة بمخالفات المرور، استنادا إلى أن هذا القرار من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض الغرامات التي توقعها المحاكم، وبالتالي تخفيض مزاياهم المالية. وبالمقابل قضى بتحقق هذا الشرط في الدعوى التي ترفعها إحدى الجمعيات لمقاومة تعاطي الكحول بإلغاء الإجراءات التي تشجع نشاط تقطير النبيذ. ومن ثمّ، فإنّ القضاء الإداري أستقر على أنّه في دعوى الإلغاء كلما كانت هناك مصلحة شخصية ومباشرة توافرت الصفة، أي أنّ هذا القضاء أقر باندماج كل من المصلحة والصفة؛ بمعنى أنّ شرط الصفة في هذا النوع من الدعاوى يندمج في شرط المصلحة فتتوافر الصفة كلما كانت هناك مصلحة شخصية ومباشرة، مادية أو أدبية، حالة أو محتملة لرافع الدعوى، وأن يكون في حالة قانونية أثّر فيها القرار الإداري المطلوب إلغاؤه تأثيرا مباشرا، وهذا ما أخذت به المحكمة الإدارية العليا المصرية[15].
  غير أنّ البعض لا يرى تبريرا لاندماج الصفة والمصلحة في طعون الإلغاء، إذ يرون أنه في جميع الحالات لا يكون لصاحب المركز القانوني المعتدى عليه أو لنائبه صفة في رفع طلب الإلغاء، لأنّه وحده صاحب المصلحة الشخصية والمباشرة في هذا الإلغاء[16].
وعليه فإنّ الرأي الأول هو السائد، والذي يقضي باندماج الصفة والمصلحة في دعوى الإلغاء على أساس الطبيعة الموضوعية العينية لهذه الدعوى والتي تتضمن مخاصمة القرار المخالف للمشروعية هذا من جهة. ومن جهة أخرى يعد الاندماج مظهرا من مظاهر التسهيل والتيسير على طالب إلغاء القرار غير المشروع.
 هذا في ما يخص الدعاوى الفردية، ولكن ما هو الحال بالنسبة للدعاوى الجماعية؟ فقد ترفع الدعوى من قبل مجموعة من الأشخاص لهم مصلحة مشتركة، وتجمعهم شخصية معنوية واحدة، وهذه هي دعوى الجماعات، التي يكون الهدف منها ليس تحقيق مصلحة فرد أو عدة أفراد، و إنّما هو حماية المصلحة العامة.
للإجابة على هذا السؤال نبيّن بداية أنّ الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا الجزائرية كرست مبدأ قبول هذه الدعاوى في مواجهة المدعي المذكور على رأس العريضة وعدم قبولها بالنسبة للباقين، حيث يتضح من خلال قرارين لها، الأول بتاريخ 03-12-1965 في قضية حجام عياش و 45 مدعيا آخر ضد بلدية تابلاط[17]. والثاني بتاريخ18-10-1968 في قضية تراك حسين وآخرين ضد بلدية سيدي معروف[18]، إذ أنّ المحكمة رفضت الدعوى بالنسبة لباقي المدعين نظرا لإختلاف وضعياتهم، وكذا إختلاف مصالحهم وقد كان هذا هو مسلك مجلس الدولة الفرنسي في بداية الأمر[19].
لكنه عدّل عنه ليقرّر قبول مثل هذه الدعاوى، إذا كان بين إلتماسات المدعين إرتباط كاف يتعلق بمضمونها[20].
كما يشترط في القرار محل دعوى الإلغاء أن يمس في مضمونه المصالح المادية أو المعنوية للنقابة أو الجمعية، فإذا كان القرار لا يمس مصلحة أحد أعضاء النقابة أو الجمعية فلا يجوز الطعن فيه بالإلغاء من قبل ممثل النقابة، بل يقتضي الأمر أن يباشر من مس القرار مركزه القانوني الدعوى بنفسه عن طريق محاميه[21].
2- المصلحة المادية والأدبية
ينجم عن نفاذ القرار الإداري آثار مادية قد تؤدي إلى الإضرار المادي بمن صدر بشأنه  القرار، الأمر الذي يجعل له مصلحة مادية معترف بها قضائيا في الطعن بإلغائه للتخلص من آثاره الضارة. كما أنّ للقرار الإداري آثار أدبية ذات طبيعة معنوية قد تمس مشاعر وأحاسيس من صدر القرار بشأنه مما يخلق له مصلحة أدبية في الطعن في هذا القرار لمحو الآثار التي مست سمعته وشعوره[22].
وبناء عليه، تعرّف المصلحة المادية على أنّها تلك المصلحة الّتي تمس المركز المالي للطاعن، أمّا المصلحة الأدبية فهي لا تمس المركز المالي للطاعن، وإنّما تؤثر في الحقوق المعنوية لرافع الدعوى[23].
ومن أمثلة المصالح المادية المبررة لقبول دعوى الإلغاء نذكر: قرار الإدارة بغلق محل تجاري أو مصنع من المصانع أو مصادرة صحيفة من الصحف أو امتناع الإدارة عن إعطاء الترخيص بمزاولة مهنة من المهن أو بفتح محل عام. وبالنسبة للمصلحة الأدبية فقد تكون متصلة بسمعة الموظف أو التشكيك في كفايته نتيجة لتقديم غيره عليه في الأقدمية ولو كان قد أحيل إلى المعاش، أو تتعلق بالمشاعر الدينية من جراء غلق دور العبادة ومنع ممارسة الشعائر الدينية فيه، كما قد تتمثل المصلحة الأدبية في الدعوى المرفوعة من جمعية محاربة المشروبات الكحولية بطلب إلغاء قرار إداري يسهل تناول هذه المشروبات...
 وتجدر الإشارة، أنّ القضاء الإداري الفرنسي في البداية لم يكن يأخذ بالتعويض عن الضرر الأدبي دائما، إذ ظل لوقت طويل جدا غير مستقر على وضع معين، وكانت كل أحكامه في هذا الموضوع صادرة برفض التعويض عن هذا النوع من الضرر وعدم قبول المصلحة الأدبية أو المعنوية لرفع دعوى الإلغاء .
 غير أنّ ما لوحظ عليه أنه لم يكن يطبق هذا المبدأ دائما بصرامة، وخاصة في القضايا الّتي يكون فيها الضرر الأدبي مرتبطا بضرر جسماني كحالة الشعور بالألم والتأثر بها، حيث كان التعويض ممكنا في مثل هذه الأحوال حتى و لو تعلّق بالمساس العاطفي بالفرد. علما أنّ القضاء الإداري كان يؤكد على أنّ الألم المعنوي لا يمكن تقويمه بالمال، ومن ثم لا يرتب ضررا حقيقيا يستوجب التعويض، حيث أنّ الأحكام القضائية طالما كانت تردد عبارة: »لما كان الألم المعنوي غير قابل للتقدير المالي فلا يمكن اعتباره ضررا يمكن التعويض عنه«. وأستمر أمر رفض دعوى التعويض عن الضرر المعنوي من طرف القضاء الإداري إلى غاية عام 1862[24].
  غير أنّه في الجزائر، فإنّ القاضي الإداري قد طبق هذا المبدأ في كثير من الحالات وأستقر على تعويض مختلف أنواع الضرر المعنوي. ومن بين الأحكام القضائية الصادرة في هذا المجال قرار الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر العاصمة بتاريخ 29-05-1975، وتتلخص وقائع القضية أنّه بتاريخ 05-07-1968 سقطت طائرة تابعة للقاعدة الجوية العسكرية ببوفاريك على منزل أحد الأشخاص فتسبب هذا الحادث في أضرار جسيمة مادية ومعنوية، منها أن ابنته البالغة عند وقوع الحادث 13 سنة أصيبت بجروح بليغة وعجز مستديم يقدر ب 15 بالمائة ونجم عنه ضرر معنوي وجسماني وأثناء المداولة تبيّن للغرفة الإدارية تقدير الأضرار المادية والمعنوية معا بمبلغ (عشرين ألف دينار جزائري) 20.000دج[25].
3- المصلحة المحققة والمحتملة
تكون المصلحة محققة إذا ما كان من المؤكد مقدما أنّ المدعي سينال فائدة ما من جراء إلغاء القرار، سواء كانت تلك الفائدة مادية أو أدبية، وتكون محتملة إذا لم يكن من المؤكد مقدما أن إلغاء القرار المطعون فيه سينال الطاعن نفعا عاجلا، وإن كان من شأنه أن يمنع عنه احتمال ضرر مادي أو أدبي أو يهيئ له فرصة مغنم[26]. ولذلك فإنه مما لا جدال فيه أنّه يجب أن يكون لرافع الدعوى مصلحة محققة حتى يمكن قبول دعوى الإلغاء، ولكن هل يمكن أن يكون له مصلحة محتملة ؟.
   إنّ القضاء الإداري في فرنسا يكتفي بالمصلحة المحتملة لقبول دعوى الإلغاء وقد حدّد مفوّض الحكومة السيّد. « Long » شروط الضرر المحتمل وذلك أمام مجلس الدولة بقوله »لا ينشئ الضرر المحتمل مصلحة للطعن بالإلغاء إلاّ إذا كان محدّدا وخطيرا ومحتملا بشكل كاف«[27].
« L’éventualité d’un dommage ne crée un intérêt au pouvoir que si elle est suffisamment précise suffisamment grave, suffisamment probable  »
     وقد أصبح المشرّع الجزائري يعتدّ بالمصلحة المحتملة كشرط من شروط قبول الدعوى القضائية وذلك ما نصّت عليه المادة 13 من القانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي نصت على أنّه : »لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون... «[28] وبهذا فإنّه أعطى للقاضي هامشا لإعمال سلطته التقديرية بعد ما لم يكن ينص على المصلحة المحتملة في قانون الإجراءات المدنية السابق رقم 66-154[29].
و يمكننا القول بأنّ الأخذ بالمصلحة المحتملة كمصلحة معتبرة لقبول الطعن بالإلغاء يتفق مع طبيعة قضاء الإلغاء كقضاء موضوعي يهدف إلى حماية مبدأ المشروعية، حيث يحقق هذا الهدف من خلال توسعه في قبول دعوى الإلغاء من ذوي المصالح الحالة والاحتمالية على حد سواء، إلّا أنّ هذا التوسع يقف عند حد اشتراط أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة تمييزا لدعوى الإلغاء عن دعوى الحسبة، ولا يشترط بعد ذلك أن تكون المصلحة الشخصية المباشرة مادية أو أدبية[30].

المحور الثاني: وقت توافر المصلحة في دعوى الإلغاء وطبيعة الدفع بانعدامها
    تكون المصلحة في دعوى الإلغاء مرنة وبسيطة تسهيلا للقيام بالدفاع عن مبدأ المشروعية والنظام القانوني في الدولة. حيث يلاحظ أنّ مجلس الدولة الفرنسي المبتكر لهذه الدعوى يتوسع أكثر فأكثر في شرط المصلحة، إذ أنّ مجرد وجود مركز قانوني للطاعن يمسه القرار الإداري المراد الطعن في مشروعيته يجعل لصاحبه مصلحة في الطعن فيه أمام قاضي الإلغاء.
 ولإبراز خصوصيات دعوى الإلغاء وميزاتها عن بقية الدعاوى الأخرى نبيّن ونتناول بالدراسة لتوقيت توافر المصلحة في هذه الدعوى (أولا) ولطبيعة الدفع بانعدام المصلحة فيها (ثانيا).
أولا: وقت توافر المصلحة في دعوى الإلغاء
 يعد معرفة توقيت توافر المصلحة في دعوى الإلغاء من بين خصوصيات هذه الدعوى التي تميزها عن باقي الدعاوى، خاصة إذا علمنا أن تقدير المصلحة يخضع لقاعدتين أساسيتين أولهما أن يتم تقديرها وقت رفع الدعوى، والثانية هي أنّ المصلحة التي يتم تقديرها هي تلك التي يتمسك بها المدعي. وعليه فإنّ القاضي يتأكد من توافر شرط المصلحة قبل الخوض في موضوع الدعوى، وإذا كانت هذه هي القاعدة المسلم بها في جميع أنواع الدعاوى، فهل يجب أن يستمر توافر شرط المصلحة من وقت رفع الدعوى إلى غاية صدور الحكم في الموضوع؟ وما حكم زوال المصلحة أثناء النظر في الدعوى؟. لإبراز كل ذلك سوف نحاول معرفة اتجاه كلا من الفقه والقضاء الفرنسي والجزائر ي وذلك في نقطتين على التوالي كما يلي:
1- موقف القضاء والفقه الفرنسيين
  يكتفي في فرنسا فيما يتعلق بقبول دعوى الإلغاء بتوافر شرط المصلحة عند رفع الدعوى، وإن كان مجلس الدولة الفرنسي يذهب في قضائه إلى قبول هذه الدعوى حتى وإن كان الطاعن لم تتوافر لديه المصلحة عند رفعها ما دام أن هذا الشرط قد توافر له أثناء نظر الدعوى، كأن يكتسب المدعي الصفة التي تعطيه الحق في رفع الدعوى بعد أن يكون قد رفعها بالفعل، وتظل الدعوى مقبولة لدى مجلس الدولة الفرنسي رغم زوال المصلحة أثناء سيرها[31]، وذلك شرط أن لا يكون زوال المصلحة راجعا إلى قيام الإدارة بإزالة وجه انعدام المشروعية الذي شاب القرار الإداري، لأنه في هذه الحالة تصبح الدعوى غير ذات موضوع، فقد قضى مجلس الدولة بقبول الطعن المقدّم من الرابطة الوطنية للصيدليات الكبيرة ضد قرار وزاري يمنح مزية مالية خاصة لإحدى الصيدليات الّتي لا تهدف إلى تحقيق الربح[32]. وأيضا قضى بقبول الالتماس المقدّم من جمعية المديرين بوزارة العمل الفرنسية وبالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ضد قرار وزير الشؤون الاجتماعية المتضمن تكليف السيد (Sourdet) في منصب وكيل إدارة التوظيف، على أساس أنّ لها مصلحة في الطعن في القرار الّذي مس بالأغراض التي أنشأت من أجلها الجمعية[33]. وبهذا فقد أصدر مجلس الدولة حكمه رغم زوال مصلحة الجمعية التي انتهت بنقل السيد (Sourdet).
 وقد لاقى قضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا المجال تأييدا كاملا من الفقه الّذي يرى فيه:
تحقيقا للغاية الأساسية من دعوى الإلغاء باعتبار أنهّا دعوى موضوعية لحماية مبدأ المشروعية واحترام الإدارة للقانون في قراراتها الإدارية، فحتى ولو زالت مصلحة رافعها، تبقى المصلحة العامة قائمة دون شك، ويجب أن تستمر على أساسها الدعوى، ذلك أنه بمجرد رفع الدعوى يتعلق حق المجتمع بها من زاوية المصلحة العامة التي تقوم عليها من خلال إلغاء القرار الإداري المخالف للقانون وحتى لا يستمر قائما متمتعا بحماية تنطوي على انتهاك المصلحة العامة[34].
2- موقف القضاء والفقه الجزائريين
    إن انعدام القرارات القضائية الصادرة عن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا ومجلس الدولة حاليا فيما يخص شرط المصلحة باعتباره من شروط قبول دعوى الإلغاء صعب من مهمة تحديد موقف القضاء الجزائري منها، إذ أنّه بدون تلك القرارات لا يمكن معرفة النهج الذي ينتهجه القضاء الإداري الجزائري. أي هل العبرة بتوافر المصلحة عند رفع دعوى الإلغاء، أم يشترط أن تكون متوفرة عند رفع الدعوى وتظل قائمة إلى غاية الفصل في الدعوى؟.
بالنسبة للفقه الجزائري، يرى الأستاذ خلوفي رشيد وهو من القلة الذين تناولوا هذا الموضوع بالدراسة أنّه لا يوجد ما يمنع القاضي الجزائري من قبول الدعوى حتى وإن كانت المصلحة غير متوفرة لدى رافع الدعوى، ذلك لأنّ هذا الموقف يكرس السلطة التقديرية للقاضي في تحديد وتقدير المصلحة، إضافة إلى ذلك يسهّل من إجراءات التقاضي[35].
أمّا في ما يخص المشرع الجزائري فقد نص في المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه: »لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة، وله مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون... «[36].
     ومن ثم يتبين من خلال استقراء هذه المادة أنّ المشرع اشترط المصلحة فقط من أجل رفع الدعوى، ولم يشترط ضرورة استمرارها لحين صدور حكم في الموضوع، ولذا فإن مجلس الدولة الجزائري وباقي جهات القضاء الإداري في الجزائر يمكنها إتباع الرأي الذي أستقر عليه مجلس الدولة الفرنسي وأغلب فقهاء القانون الإداري من الاكتفاء بتوافر المصلحة عند رفع الدعوى دون اشتراط استمرارها إلى صدور حكم في الدعوى[37]، خاصة وأنّ دعوى الإلغاء تنتمي إلى قضاء المشروعية وتهدف إلى تحقيق المصلحة العامة بالدرجة الأولى.
ثانيا: طبيعـة الدفع بانعدام المصلحـة في دعوى الإلغاء
       إذا لم يكن المدعي يحوز على المصلحة التي تبرر لجوءه إلى القاضي الإداري لطلب إلغاء قرار إداري معين، فإنه تنشأ للمدعى عليه مصلحة في الدفع بانعدامها، فهل الدفع بانعدام المصلحة في دعوى الإلغاء هو دفع موضوعي أو دفع شكلي أو دفع بعدم القبول؟ وهل هو من الدفوع المتعلقة بالنّظام العام، أي متى يؤخذ هذا الدفع بعين الاعتبار ويحكم به القاضي الإداري من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره الأطراف؟.
1-  مدى اعتبار الدفع بانعدام المصلحة دفعا بعدم القبول
في البداية نشير أنّ فقهاء القانون الإداري قد اختلفوا حول تحديد طبيعة الدفع بانعدام المصلحة، إذ يرى جانب من الفقه أنّ هذا الدفع موضوعي وليس شكلي، ويجوز للقاضي أن يثيره في أي مرحلة تكون عليها الدعوى[38]. أمّا الجانب الثاني من الفقه يرى الدفع بانعدام المصحة هو دفع بعدم القبول فليس دفعا شكليا ولا موضوعيا[39].
وهذا ما أكده المشرع الجزائري في المادة 67 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المذكور أعلاه والتي نصت على أنّ: »الدفع بعدم القبول، هو الدفع الذي يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي،كانعدام الصفة والمصلحة والتقادم وانقضاء الأجل المسقط وحجية الشيء المقضي فيه،وذلك دون النظر في موضوع النزاع « .
وأضافت المادة 68 منه أنه: »يمكن للخصوم تقديم الدفع بعدم القبول في أيّة مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تقديم دفوع في الموضوع «[40].
من خلال كل هذا نستنتج ما يلي[41]:
- الدفع بانعدام المصلحة في دعوى  الإلغاء هو دفع بعدم القبول.
- يجوز تقديم الدفع بانعدام المصلحة في دعوى الإلغاء في أي مرحلة تكون عليها الدعوى حتى ولو بعد التكلم في الموضوع.
- الحكم الصادر بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة لا يحوز على حجية الأمر المقضي به، فيحق لمن له مصلحة أن يعيد رفع الدعوى أمام نفس الجهة القضائية، وذلك بعد استيفائه لشرط المصلحة.
- المصلحة ليست شرطا لقبول الدعوى فقط، وإنما هي شرط لقبول كل طلب أو دفع أو طعن في الحكم.
2-  مدى تعلق الدفع بانعدام المصلحة بالنظام العام
 إنّ اشتراط المصلحة لقبول الدعوى، ليس مقررا لصالح المدعي أو المدعي عليه فحسب، بل إنه فضلا عن ذلك مقرر لمصلحة المجتمع ذاته، لأن القضاء لا يقوم بوظيفته بغير قيد يحدد مدى هذه الوظيفة ويرسم نطاقها. وحتى يقوم القضاء بدوره لا بد من وجود نزاع أو اعتداء أو إنكار للحقوق، إذ أنّ المصلحة هي مناط الدعوى وهي من يحدد حقوق الأفراد في اللجوء إلى القضاء وفي ذات الوقت تحديد وظيفة القضاء، لذا فإنّ توافر المصلحة هو من النّظام العام، ويترتب على ذلك ما يلي:
- إن الاتفاق على رفع الدعوى مع عدم وجود مصلحة للمدعي على رفعها يعد اتفاقا باطلا لا قيمة له ولا يقيد طرفيه، بمعنى أنّه يمكن للمدعى عليه أن يدفع به، فلا يعد التنازل عن الدفع تنازلا صحيحا يحتج به على المتنازل.
- للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه المدعى عليه، وحتى لو أتفق الطرفان على السير في الدعوى بحالتها، لأنه من العبث رفع دعوى أمام المحكمة لا مصلحة لأصحابها في رفعها ولن تكون ذات قيمة أو حجية على أصحاب الحق في الدعوى، ورفع هذا العبث من النظام العام، إذ أنّ القضاء كسلطة من سلطات الدولة إنما وجد للفصل في الخصومات ذات النتيجة المرجوة، ولا محل لتعطيله برفع خصومات عديمة الجدوى لانعدام المصلحة فيها.
- اعتبار الدفع بعدم القبول من النظام العام، يعني أنه يمكن إثارته لأول مرة أمام جهات الاستئناف .
وعليه، فإنّ قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي بدأ سريانه بعد تاريخ 23 أفريل 2009 أعتبر بموجب المادة 67 الدفع بانعدام المصلحة دفعا بعدم القبول، وأضافت المادة 69 على أنّه:» يجب على القاضي أن يثير تلقائيا الدفع بعدم القبول إذا كان من النظام العام، لا سيما عند عدم احترام آجال طرق الطعن أو عند غياب طرق الطعن «[42].
       ومن ثمّ، نلاحظ أن هاتين المادتين لم تحددا طبيعة الدفع بانعدام المصلحة هل هو من النظام العام أم لا؟ خاصة إذا علمنا أن المادة 69 في مشروع القانون الذي أحيل على البرلمان كانت تتضمن فقرة ثانية تنص بصريح العبارة على أنّه: »يمكن للقاضي أن يثير تلقائيا الدفع بعدم القابلية لانعدام المصلحة«.فهل حذفها من قبل البرلمان يفهم منه أنّ الدفع بانعدام المصلحة لا يعد من النظام العام؟ أم أنّ حذفها كان من باب عدم  التكرار. إذ أنه ما دام أنّ الدفع بانعدام المصلحة هو دفع بعدم القبول طبقا للمادة 67 وأنّ الدفع بعدم القبول يجب أن يثيره القاضي من تلقاء نفسه إذا كان من النظام العام طبقا للمادة 69.
بناءا على هذا، يبدو أن الطرح الثاني هو الصحيح وذلك للتبرير التالي:
عندما تطرقنا إلى تعريف المصلحة قلنا بأنها الحاجة إلى الحماية القضائية، والقاعدة العامة تقضي بعدم قبول الدعوى ما لم تكن قائمة على مصلحة، لأن هذه الأخيرة هي مناط كل دعوى. فلا تجوز مباشرة الدعوى أمام القضاء دون أن يجني منها صاحبها أي فائدة مادية أو معنوية، فإذا تبين من الدعوى أن رافعها لا يجني منها أية فائدة، فهل يجوز للقاضي أن يثير ذلك تلقائيا ولو لم يتمسك بذلك صاحب المصلحة؟ وتبعا لذلك يثور التساؤل حول الدفع بعدم القبول لانتفاء المصلحة ما إن كان يتعلق بالنظام العام أم لا؟.
 إنّ الإجابة على هذا التساؤل يجرنا إلى القول أن مرفق العدالة أنشئ لغرض إشباع حاجة الناس الحقيقية من الحماية القضائية، ولم ينشأ هذا المرفق ليكون محلا للعبث واستعماله في غرض غير الذي وجد من أجله، مما يؤدي إلى شغل وقته دون فائدة مما ينعكس سلبا على السير الحسن لقطاع العدالة وأن كل ما يتعلق بالسير الحسن لمرفق القضاء يعد متعلّقا بالنظام العام يحق للقاضي أن يثيره تلقائيا وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى[43].
خاتمة
    من خلال كل ما سبق يظهر لنا، أن القضاء الإداري الفرنسي قد وسع وسهل في مفهوم شرط المصلحة لقبول دعاوى قضاء المشروعية وذلك تسهيلا وتشجيعا لاستعمال وتطبيق هذه الدعوى بهدف حماية مشروعية الأعمال الإدارية في الدولة بما يجسد ويحقق فكرة الدولة القانونية ومبدأ المشروعية ويكفل حماية المراكز القانونية للأفراد في الدولة باستمرار. وهو النهج الذي سار عليه المشرع الجزائري منذ الاستقلال وصدور أول قانون للإجراءات المدنية سنة 1966 وإلى غاية صدور قانون الإجراءات المدنية والإدارية لسنة 2008 الذي جاء بالجديد محاولا سد النقائص التي شابت القانون الأول، ومن الأمثلة على ذلك النص على قبول دعوى صاحب المصلحة المحتملة (المادة13) ، والنص صراحة على أن الدفع بانعدام المصلحة هو دفع بعدم القبول (المادة 67)، وأيضا لا حظنا أنّ المشرّع الجزائري لم يشترط ضرورة استمرارية المصلحة لحين صدور الحكم في الدعوى، بل أشترط توافرها من أجل رفع الدعوى فقط، ومن ثم فكل هذه النقاط تحسب لصالحه. غير أنّ ما يؤخذ عليه هو أنه بالرغم من اختلاف المصلحة في دعوى الإلغاء عنها في بقية الدعاوى الإدارية إلّا أنه لم يميّز بينها وجعلها في باب الأحكام المشتركة لكل الدعاوى. كما لم ينص على اعتبار شرط المصلحة من النّظام العام أم لا؟ بالرغم من أنّ المادة 69 المذكورة أعلاه تضمنت في مشروع قانون الإجراءات المدنية والإدارية (أي قبل صدوره) فقرة نصت على أنّ القاضي بإمكانه أن يثير تلقائيا الدفع بعدم القابلية لانعدام المصلحة.
أضف إلى ذلك، أنّ القضاء الإداري الجزائري ولحد الآن لم يصدر أي قرار يبيّن فيه العبرة بتوافر المصلحة سواء عند رفع الدعوى، أو اشتراط أن تكون متوفرة عند رفع الدعوى وتظل قائمة إلى غاية الفصل فيها. وفي هذه النقطة بالتحديد يتعيّن على مجلس الدولة - باعتباره الجهة القضائية الإدارية العليا المقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية الأخرى – إثراء اجتهاده القضائي، بناءا على الدعاوى المرفوعة إليه، يتضمن النص بضرورة توافر شرط المصلحة عند رفع الدعوى فقط إقتداء بما استقر عليه مجلس الدولة الفرنسي.
كما ننادي المشرع الجزائري بإعادة النظر في نص المادة 69 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وذلك بإضافة فقرة تتضمن بالتحديد النص على أنّ الدفع بانعدام شرط المصلحة من النّظام العام يثيره القاضي تلقائيا.





[1] راجع كلا من:
- سليمان محمد الطماوي، القضاء الإداري، الكتاب الأول، قضاء الإلغاء، دار الفكر العربي ، مصر، 1986، ص 483.
الشوبكي عمر، القضاء الإداري،دراسة مقارنة،،دار الثقافة للنشر عمان 2001، ص 206. ذكره،جهاد ضيف الله الجازي، وقت توافرشرط المصلحة في دعوى الإلغاء، دراسة تحليلية مقارنة، دراسات،علوم الشريعة والقانون،المجلّد42 ،العدد 1 سنة 2015، ص 18.
[2]) عمار عوابدي، النظرية العامة للمنازعات الإدارية في النظام القضائي الجزائري (نظرية الدعوى الإدارية)، الجزء الثاني، الطبعة الثانية 2003، ص409.
[3])بركات الياس، شرط المصلحة في دعوى الإلغاء، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الدفعة 17، سنة 2006-2007، ص 14.
[4]) نبيل صقر، الوسيط في شرح قانون الإجراءات المدنية والإدارية (قانون رقم 08 - 09 مؤرخ في 25 فبراير 2008)، الخصومة – التنفيذ – التحكيم، دار الهدى للطباعة والنشر، الجزائر، سنة 2008، ص 36.
[5]) الشرقاوي عبد المنعم أحمد، نظرية المصلحة في الدعوى، ط1، سنة 1947، ص 53. ذكره، فيصل عبد الحافظ الشوابكة، شرط المصلحة في دعوى الإلغاء – دراسة مقارنة - (الأردن، فرنسا) ، مجلة دفاتر السياسة والقانون، العدد السابع، سنة 2012، ص 151.
[6]) محمود حلمي، القضاء الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، سنة 1977، ص 409.
[7]) حيث تعرّف دعوى الإلغاء على أنّها الدعوى القضائية التي يرفعها أصحاب الشأن والمصلحة من الأفراد والموظفين العموميين أو الهيئات أمام جهة القضاء الإداري المختص بطلب إلغاء القرارات الإدارية النهائية غير المشروعة. أنظر الدكتور طعيمة الجرف, رقابة القضاء لأعمال الإدارة العامة, مكتبة القاهرة الحديثة, القاهرة, 1970, ص 244. المرجع ذكره, الأستاذ عمار  عوابدي, نظرية القرارات الإدارية بين علم الإدارة العامة والقانون الإداري, الطبعة الخامسة, دار هومة, الجزائر, 2009, ص174.كما عرفها الأستاذ  سليمان الطماوي بأنها الدعوى التي يرفعها أحد الأفراد إلى القضاء الإداري يطلب إعدام قرار إداري مخالف للقانون. أنظر مؤلفه القضاء الإداري, مرجع سبق ذكره, ص 151.
كما عرفها الفقيه Debbasch charles  على أنّها الطعن الذي يطلب بمقتضاه المدعي من القضاء إبطال قرار إداري لعدم المشروعية. انظر مؤلفه contentieux administratif « Dalloz paris » 1978, p 807.  نقلا عن الأستاذ عمار بوضياف, دعوى الإلغاء في قانون الإجراءات المدنية والإدارية (دراسة تشريعية وقضائية وفقهية)، ط1، جسور للنشر والتوزيع، الجزائر، سنة 2009، ص 46.
[8])بركات إلياس، مرجع سبق ذكره، ص16.
[9]) محمد رفعت عبد الوهاب، القضاء الإداري، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، 2005، ص39.
[10])المرجع نفسه، ص41
[11]) ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، بدون سنة، ص299.
[12]) فيصل عبد الحافظ الشوابكة، شرط المصلحة في دعوى الإلغاء، مرجع سبق ذكره، ص 153 وما يليها.
[13]) للاستزادة أنظر، محمد عبد السلام مخلص، نظرية المصلحة في دعوى الإلغاء، ط1، دار الفكر العربي، سنة 1981، ص 112.
[14]) وفية داهل، شرط المصلحة في دعوى الإلغاء، مذكرة لنيل شهادة الماجستير جامعة سطيف، دون سنة، ص30-31.
[15]) عبد الغني بسيوني، القضاء الإداري (قضاء الإلغاء) ، منشأ المعارف، الإسكندرية، سنة 1997، ص 93.
[16]) من بينهم: فؤاد العطار، طعيمة الجرف، فهد أبو العث، لمزيد من التفاصيل راجع، أبوا لعثم فهد،القضاء الإداري بين النظرية والتطبيق،دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، سنة 2005، ص 257. نقلا عن، جهاد ضيف الله الجازي،مرجع سبق ذكره، ص 18.
[17]) Cour Suprême, chambre administrative, 30/12/1965, H.Bouchahda et R.Kheloufi, Recueil d’arrêts (jurisprudence  administrative), O.P.U, Alger, 1979, P13-14.
[18]) Cour Suprême, chambre administrative 18/10/1968 Ibid, p32-33
[19])C.E. 6/12/1961, Veave Blut et autre , Rec. p. 691.
أحمد عودة الغويري، شرط المصلحة في طعون الهيئات في دعوى الإلغاء أمام القضاء الإداري (دراسة مقارنة)، ص 19.
[20])لمزيد من التفاصيل أنظر،أحمد عودة الغويري، مرجع نفسه، ص 19.
[21]) عمار بوضياف، مرجع سبق ذكره, ص 86.
[22])عبد العزيز عبد المنعم خليفة، دعوى إلغاء القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة، الأسباب والشروط، دار الكتب القانونية، مصر، 2004، ص629.
[23])أنظر،جهاد ضيف الله الجازي، مرجع سبق ذكره، ص 20.
[24])وافية داهل،مرجع سبق ذكره، ص37.
[25]) قرار مجلس قضاء الجزائر بتاريخ 29-05-1975 قضية رقم 469- 1399 ( قرار غير منشور).
[26]) سليمان محمد الطماوي، مرجع سبق ذكره،ص509.
[27])مسعود شيهوب، المبادئ العامة للمنازعات الإدارية، (الهيئات والإجراءات)، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 1998، ص271.
[28]) المادة 13 من القانون رقم 08-09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، الجريدة الرسمية رقم 21 لسنة 2008
[29]) المادة 459 من الأمر رقم 66–154 مؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق 8 يونيو سنة 1966 يتضمن قانون الإجراءات المدنية.
[30])عبد العزيز عبد المنعم خليفة، مرجع سبق ذكره، ص628.
[31]) جهاد ضيف الله الجازي، وقت توافر شرط المصلحة في دعوى الإلغاء،مرجع سبق ذكره، سنة 2015، ص 21.
[32])C.E. 19 Mars 1975, Unionnat, Ph., Rec. P. 200
ذكره، أحمد عودة الغويري، مرجع سبق ذكره، ص 15.
[33])C.E. 6/2/1970. Ass. Des. Adm. Civil., Rec. p. 89.
أحمد عودة الغويري، مرجع سابق، ص 15.
[34])الجراح بادي، شرط المصلحة في دعوى الإلغاء،رسالة ماجستير غير منشورة،الجامعة الأردنية (دراسة مقارنة) سنة1993، ص 73. ذكره جهاد ضيف الله الجازي، مرجع سبق ذكره، ص 21.
[35]) رشيد خلوفي، قانون المنازعات الإدارية (شروط قبول الدعوى الإدارية)، ديوان المطبوعات الجزائرية، الجزائر، سنة 1995.
[36]) المادة 13 من القانون رقم 08-09 مرجع سابق.
[37]) وافية داهل، مرجع سبق ذكره، ص82.
[38]) محمود حلمي، مرجع سبق ذكره، ص 403.
[39]) مصطفى أبو زيد فهمي، القضاء الإداري ومجلس الدولة، ط4، منشأة المعارف، الإسكندرية، سنة 1979، ص 343.
[40]) المادة 68 من قانون الإجراءات المدني والإدارية لسنة 2008.
[41]) رشيد خلوفي، مرجع سبق ذكره، ص265.
[42]) المادة 69 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية لسنة 2008.
[43])بركات إلياس، مرجع سبق ذكره، ص 39- 40.