مدونة الحقوق والعلوم السياسية

الجمعة، 4 نوفمبر 2016

المرفق العام



طرق تسيير المرفق العام


مـــقدمــــــــة.                                                  
      تعتبر التغيرات التى فرضها النظام المتبع بعد 1989 خاصة التى مست الجوانب السياسية والاقتصادية انعكست على الدولة ومؤسساتها ,وكذا علاقتها بالمواطن, وهذا نظرا لتزايد حاجياته, التي أصبحت من أهداف ونتائج التحولات في محاولة للتقليل من العجز التي تفرضه المرافق العامة ,لكن مع ضمان خدمة عمومية في المستوى المطلوب. ونظرا لهذه التحولات تنوعت المرافق العامة ,مما أدى إلى تنوع طرق تسييرها مما أصبح كل نوع تناسبه طريقة معينة ,فهناك مرافق لايمكن أن تتخلى عنها الدولة نظرا لخصوصيتها , ومرافق أخرى قابلة للتفويض جزئيا أو حتى كليا ,وهذا كله أعطى للموضوع أهمية تتجلى من خلال معرفة أن المرافق العمومية في الجزائر لتدار بطريقة واحدة مثلما كان عليه في الفترة السابقة , وإنما أصبحت تدار بطرق أخرى أدت إلى تقريب المرفق العام إلى المواطن , وبالتالي تحقيق متطلباته , وهذا كان السبب في اختيارنا لهذا الموضوع والأمر راجع إلى أن المرفق العام هو همزة وصل مابين الدولة والمواطن , وبالتالي يؤثر بطريقة أو بأخرى على المصلحة العامة . لكن الإشكالات التي تطرح نفسها هي : مامدى فعالية الطرق الكلاسيكية لتسيير المرفق العام؟ كيف يمكن تحسين الخدمة العمومية في ظل هذه المرافق ؟ وهل الطرق الجديدة(الخاصة) لتسيير المرفق العام هي فعلا ترتقي بالخدمة العمومية؟ وهل نجحت في تحقيق حاجات المنتفعين؟ للإجابة على هذه الإشكالات انتهجنا المنهج الوصفي لإثراء الموضوع من عدة جوانب, معتمدين على خطة مزدوجة المبحث والمطلب , ففي المبحث الأول تطرقنا إلى الطرق العامة لتسيير المرفق العام , وفي المبحث الثاني إلى الطرق الخاصة لتسيير المرفق العام .                                 



المبحث الأول:  الأساليب الكلاسيكية لتسيير المرفق العام .

يعد المرفق العام من أهم الأجهزة ذات الأهمية الكبرى في الدولة ,وهذا نظرا لعلاقتها بالمواطن بغرض توفير له الحاجيات الأساسية ذات النفع العام, لهذا ارتأت الدولة أن تقوم بتسيير هذه الأجهزة على أساس إن الفرد لا يمكن له إنشاء هذه المرافق, لهذا كان التسيير مباشر من قبل الدولة ( المطلب الأول),  أو التسيير بأسلوب المؤسسة العمومية( المطلب الثاني), بهدف تحقيق الصالح العام .

المطلب الأول: التسيير المباشر للمرفق العام.
إن التسيير المباشر للمرفق العام يكون إما  من قبل الدولة وفي هذه الحالة تديره  إحدى الوزارات, أو من قبل الجماعات المحلية , وتديره البلدية والولاية .

الفرع الأول : التسيير المباشر للمرفق العام من قبل الدولة.
    المرفق العام في ظل هذه الطريقة تديره إحدى الوزارات ,وهي الوزارة التي يرتبط نشاط المرفق بمجال عملها وتخصصها وتتحمل الدولة بواسطة الوزارة المختصة أعباء المرفق العام    وتحقيق خدماته للجــمهور عن طريق الموظفين العموميين العاملين بهــذه الوزارة أو إحــدى مصالحها .
    وكثيرا من المرافق العمومية تدار بطريقة الإدارة المباشرة ,أي تلك المرافق العامة ذات النشاط الخدمي التي تؤدي خدماتها للأفراد مجانا أو شبه مجانا أو رسوم محدودة , وهذه المرافق العمومية مسئولة عن تحقيق حد أدنى ضروري لاستمرار الحياة الوطنية مثل: مرفق الدفاع الوطني , الأمن , التعليم , وهذه المرافق العامة لا يتصور أن تتقاعس الدولة عن إنشائها وتأمين بقائها لضرورياتها الحيوية , كما لا يمكن أن نتصور أن تنشأ مؤسسة مستقلة عن الدولة لإدارة مرفق الدفاع الوطني , وأخيرا هذه المرافق العمومية الإدارية تخضع في إدارتها ونشاطها لقواعد القانون العام , ويختص بالفصل في منازعته القضائية القضاء الإداري , وموظفو المرفق العام بطريقة الإدارة المباشرة موظفون عموميون وليسو أجراء وأموال المرفق العام أموال عامة .
كذلك لا تقتصر هذه الطريقة على المرافق الادارية بل تمتد إلى المرافق العمومية الصناعية والتجارية مثل: النقل بالسكك الحديدية يعد نشاطا تجاريا , لأن الأفراد يعجزون عن تسيير هذه المرافق , إضافة إلى ذلك هذه المرافق تخضع للرقابة المباشرة للدولة أو أحد أجهزتها , وتخضع لقواعد المحاسبة العمومية .[1]

الفرع الثاني : التسيير المباشر للمرفق العام من قبل الجماعات المحلية.          
فيما يخص أسلوب الإدارة المباشرة للجماعات المحلية مثلا: على مستوى البلدية توجد نشاطات إدارية تكتسي طابع المصلحة العامة ( مصلحة الحالة المدنية ) , تقوم البلدية بتأمينها عن طريق أسلوب الإدارة المباشرة , كما أجاز المشرع بموجب نص المادة 151 من قانون البلدية استغلال مصالح عمومية بصفة مباشرة شرط أن تقيد الإيرادات والنفقات ضمن ميزانية البلدية [2], إلا أن هذا لا يمنع من استخدام أسلوب الإدارة المباشرة في عدد من المرافق العمومية التجارية والصناعية إذا رأت البلدية مصلحة في ذلك .
وبهذه الصفة فهي تحدث إضافة إلى مصالح الإدارة المحلية ,مصالح عمومية تقنية قصد التكفل على وجه الخصوص بما يأتي :
- التزويد بالمياه الصالحة للشرب وصرف المياه المستعملة .
- النفايات المنزلية والفضلات الأخرى.
- الإنارة العمومية .
- الأسواق المغطاة والموازين العمومية .
- الحظائر ومساحات التوقف.
- النقل الجماعي ..."
المادة150 من نفس القانون تنص " يكيف عدد وحجم المصالح العمومية عليها في المادة 149 حسب إمكانيات ووسائل واحتياجات كل بلدية .
ويمكن تسيير هذه المصالح مباشرة في شكل استغلال مباشر..."
المادة 151من نفس القانون "يمكن  البلدية أن تستغل مصالحها العمومية عن طريق الاستغلال المباشر" .
وكذاك نص قانون الولاية 12- 07 في المادة 141"مع مراعاة الأحكام القانونية المطبقة في هذا المجال , يمكن الولاية أن تنشئ قصد تلبية الحاجات الجماعية لمواطنيها بموجب مداولة المجلس الشعبي الولائي , مصالح عمومية ولائية للتكفل على وجه الخصوص بما يأتي :
-  الطرق والشبكات المختلفة .
- مساعدة ورعاية الطفولة والأشخاص المسنين أو الذين يعانون من إعاقة أو أمراض مزمنة.
- النقل العمومي..."
وعليه فإن المجموعات الإقليمية التي أنشأت المرافق العمومية تقوم بتعين عون عمومي يقوم بتسيير هذا المرفق دون أن تمنح له الاستقلالية المالية , ولكن تكون له محاسبة شخصية ,حتى يتمكن من الإطلاع على محتوي المداخل والمصاريف وهذا ما نصت عليه المادة 151 من قانون البلدية, والمادة 144من قانون الولاية .
هذا التقسيم لا يعني أن هناك  انفصالا كليا بين الدولة والجماعات المحلية بل أنها تتعاون فيما بينها , فنجد موظفون ذو خبرة في المرافق الوطنية يعاونون ويساعدون بخبرتهم في تسيير المرافق العمومية على المستوى المحلي , كما أن الدولة في بعض الأحيان تقدم إعانات للجماعات  المحلية للقيام بأعباء الاستغلال المباشر للمرفق العام المحلي خاصة في ظل ضعف الموارد المحلية وتزايد حاجات المواطنين .
لكن هذا التسيير المباشر عجز عن تلبية حاجات المواطنين نظرا لثقل هذه المرافق على ميزانية الدولة وأصبحت تعرف بدولة الرفاهية , لكن في إطار التخصص وجب عليها اختيار أسلوب جديد من خلال المؤسسات العمومية لمحاولة الوصول للفعالية في تأدية الخدمات العمومية, والوصول بالخدمة العمومية للجودة , وهذا ماسنحاول التطرق إليه في المطلب الثاني .

 المطلب الثاني : المؤسسة العامة .
في البداية سنتطرق إلى تعريف المؤسسة العمومية ثم إلى تبيان خصائصا, وأخيرا أنواع المؤسسات العمومية.
الفرع الأول : تعريف المؤسسة  العمومية .
      يمكن تعريف المؤسسة العامة بأنها عبارة عن مرفق عام منحت له الشخصية المعنوية, لتمكينه من الاستقلال في إدارته و ذمته المالية عن السلطة الإدارية التي يتبعها مع خضوعه لإشراف هذه السلطة و رقابتها [3].
كما تعرف المؤسسة العامة بأنها مرفق عام مشخص قانونيا [4].
وتعرف أيضا بأنها:
L'établissement public est une personne moral administrative de type fondatif ,dont la création a pour but d’assurer la gestion autonome d’un service de l’Etat , d’une wilaya ,d’une commune ou d’une autre personne publique de type corporatif[5] .
إن طريقة المؤسسة العامة تختلف عن طريقة الاستغلال المباشر ، في أن الأولى تقتضي أن تمنح للمرفق العام الاستقلال القانوني و ذلك بإضفاء الشخصية المعنوية عليه و يتمثل الغرض من طريقة المؤسسة العامة في حسن إدارة المرفق العام ، من خلال  تخفيف عبئ إدارتها و تسييرها من طرف الجهة الإدارية التي أنشأتها ، و ذلك بموجب تمتعها بالاستقلال القانوني والمالي و الإداري فمن ناحية الاستقلال المالي فإن المؤسسة العامة تتمتع بذمة مالية مستقلة عن ذمة المالية للجهة  التي أنشأتها ،ففي طريق هذه الأموال تستطيع المؤسسة العامة تسيير أمورها و تكون هذه الأموال بمثابة ضمان لدائنيها .
أما من ناحية الاستقلال الإداري و لكي تقوم المؤسسة العامة بتسيير أمورها و القيام بمهامها فإنها تتوفر على أجهزة و هيئات خاصة تتمثل في أجهزة المداولة و أجهزة للتنفيذ ،كالجامعة مثلا.[6]

الفرع الثاني : خصائص المؤسسة العمومية .
تتميز المؤسسة العامة كشخص من أشخاص القانون العام بعدد من الخصائص و هي:
أولا: أنها تقوم على مرفق عام :
بمعنى أنها تسير أحد المرافق العامة و التي كان من الممكن أن تتولى تسييره الدولة بمفردها ،غير أن الدولة رأت أنه من الأفضل إنشاء مؤسسة عامة مستقلة تتولى إدارة المرفق العام نيابة عنها ، و مثال ذلك المستشفيات .
و نطرا لكون المؤسسة العامة تتولى القيام بنشاطاتها بمفردها مستهدفة بذلك تحقيق المصلحة العامة ,و ذلك تلبية للاحتياجات الجمهور فإنها تخضع لنفس القواعد الأساسية التي تحكم المرفق العام و المتمثلة في قاعدة سير المرفق العام بانتظام و اطراد , قاعدة المساواة في المعاملة بين المنتفعين بخدمات المرفق و أخيرا قاعدة التكييف لمواجهة التطورات المستقبلية .
ثانيا: خضوع المؤسسة العامة لمبدأ التخصص 
بمعنى  أن المؤسسة العامة بحكم طبيعتها هي شخص اعتباري عام يتخصص في إدارة مرفق عام محدد بالذات ، أو خدمة عامة نوعية يتخصص فيها فهو يتقيد في ممارسة اختصاصه وفق للغرض المحدد في قانون إنشائه .
ذلك أن القانون المنشأ للمؤسسة العامة هو الذي يحد نوعية المرفق العام الذي تتولاه المؤسسة العامة مرفق التعليم العالي بالنسبة للجامعة و على العكس من ذلك فإنه يجوز للمؤسسة العامة أن تحيد عن الغرض الذي أنشأت من أجله و تمارس نشاطا أو تخصصا آخر غير التخصص أو النشاط الوارد في القانون المنشأ للمؤسسة العامة بل أكثر من ذلك لا يجوز للمؤسسة العامة أن تقوم بنشاط يحقق لها أرباحا يعينها على تحقيق نشاط المرفق العام الذي تتولاه . فلا يجوز للجامعة مثلا أن تنشأ دار للسينما إلا إذا كان ذلك يدخل في مجال التعليم و البحث الجامعي[7].
ثالثا: المؤسسة العامة لها شخصية اعتبارية مستقلة
المؤسسة العامة تعتبر شخصا اعتباريا يخضع كأصل عام للقانون العام و يترتب عن الاستقلال الذي توفره الشخصية الاعتبارية من ناحية أولى أن يكون للمؤسسة العامة ذمة مالية مستقلة أي يكون لها ميزانية مستقلة عن ميزانية الدولة و من ناحية ثانية ممكن أن يخضع موظفو المؤسسة العامة للوائح خاصة بهم تنظم شؤونهم تعبيرا عن استقلال المؤسسة .
و من جهة أخرى للمؤسسة العامة حق التقاضي أمام القضاء الإداري .
رابعا: خضوع المؤسسات العامة للوصاية الإدارية :
برغم من تمتع المؤسسات العامة بالشخصية المعنوية و ما يترتب عنها من أثار إلا أن هذا لا يعني أن المؤسسات العامة تتمتع بالاستقلالية المطلقة ، بل يبقى هذا الاستقلال نسبي ، فالقاعدة العامة أن الإدارة المركزية تمارس رقابتها على المؤسسات العامة ،ذلك أن القرارات الإدارية الصادرة عن المؤسسات العامة لا تفلت من الرقابة الوصائية من جانب الإدارة المركزية  [8].


الفرع الثالث: أنواع المؤسسات العامة .
باعتبار المؤسسات العامة طريقة لإدارة المرافق العامة و التي تتنوع و تنقسم إلى مرافق عامة إدارية و أخرى صناعية تجارية ، فإنه يترتب على ذلك تقسيم المؤسسات العامة إلى مؤسسات عامة إدارية ، و أخرى صناعية تجارية[9]  .
إبتداءا من سنة 1988 عرف أسلوب المؤسسات العامة تطورا كبيرا ويمكن إرجاعها إلى أربعة أصناف أساسية :
المؤسسة العامة الإدارية ذات الطابع الإداري .
المؤسسة العامة ذات الطابع الصناعي و التجاري .
المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و التكنولوجي .
المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهني  [10].
إن هذا التقسيم مكرس في المادة 2 من الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 17 جويلية 2006 المتعلق بالقانون الأساسي للوظيفة العمومية .
أولا: المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري .
تقوم هذه المؤسسة بنشاط إداريا بحتا و تخضع لقواعد القانون العام كما تعرض منازعاتها على القضاء الإداري و تعتبر أموالها أموال عامة تخضع لنظام المحاسبة العمومية ، عمالها موظفون عموميون قراراتها تعتبر قرارات إدارية و من أمثلة على ذلك الوكالة الوطنية لحماية البيئة المنشأة بموجب المرسوم رقم 83-457 المؤرخ في 23 جويلية 1983 , المدرسة الوطنية الإدارة المنظمة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 06-416 المؤرخ في 22 نوفمبر 2006 .

ثانيا: المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري .
ظهرت هذه المؤسسات بعدما أصبح تدخل الدولة يشمل عدة مجالات لا سيما المجال الصناعي والتجاري . و لقد عرف المشرع الجزائري في المادة 44 من القانون 88 -01 هذه المؤسسة بأنها المؤسسة العمومية التي تتمكن من تمويل أعبائها الاستغلالية جزئيا أو كليا عن طريق عائد بيع إنتاج تجاري يحقق طبقا لتعريفه معدة مسبقا ولدفتر الشروط العامة الذي يحدد الأعباء و التقيدات و كذا عند الاقتضاء حقوق وواجبات المستعملين .
تخضع هذه المؤسسات للقانون العام في حالة علاقتها مع الدولة ، بينما تخضع لقواعد القانون الخاص في حالة علاقتها مع الإفراد ، أما بالنسبة للعاملين بهذه المؤسسة فلا يعتبرون موظفون عموميين ، كما لا يمكن اعتبار قراراتها بالقرارات الإدارية و تلزم بمسك محاسبة على الشكل التجاري و تطبيقا لذلك نصب مجلس الدولة الجزائري في قرار له صدر بتاريخ 22/01/2001 الغرفة الثالثة قضية ب.أ ضد الوكالة العقارية ما بين البلديات (غير منشور) إلى الاعتراف بعدم اختصاصه للفصل في منازعات هذه المؤسسات[11].
ثالثا: المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و التكنولوجي :
 نص عليها القانون 98- 11 المؤرخ في 28 أوت 1988 المتضمن القانون التوجيهي للبحث العلمي و كما يقول الأستاذ بوسماح أنها تخضع لنظام هجين ينهل في بعض جوانبه من المؤسسة العمومية الصناعية و التجارية و في جوانب أخرى من المؤسسة ذات الإدارية .
رابعا: المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهني  
جاء ذكرها في القانون 99-05 المتضمن القانون التوجيهي العالي و الهدف من هذا القانون تحديث سير الجامعات و مؤسسات التعليم العالي .
و التجديد يكمن في :
سلطات متزايدة في المجال البيداغوجي العلمي ,
إمكانية تسويق الأملاك الثقافية و استعمال مواردها مباشرة ,
إمكانية إنشاء فروع,
    - مرونة في الرقابة المالية المسبقة [12] .  
و لقد ورد تعريفها في المادة 32 من القانون التوجيهي 99-05 المؤرخ في 04 أفريل 1999 المؤسسة العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهني في مؤسسة وطنية تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي . و أوضحت المادة 38 من القانون المذكور أعلاه أشكالها و أنواعها الجامعة ،المركز الجامعي ، المدارس و المعاهد[13].

المبحث الثاني:الأساليب الخاصة والمختلطة لتسيير المرفق العام .
تعد هذه الأخيرة الأنسب لتسيير المرفق العام , وهذا لمحاولة للوصول للفعالية في تأدية الخدمات العمومية والوصول بالخدمة العمومية للجودة , إذ تمثلت هذه الوسائل في كل من أسلوب الامتياز والإيجار وكذلك التجمعات والمنظمات المهنية , إضافة إلى أسلوب المقاولة العمومية , هذا من جانب زد على ذلك يوجد أسلوب الاقتصاد المختلط ( الاستغلال المختلط) من جانب أخر,  وهذا  ما سنفصله في المطلبين .

المطلب الأول:  الأساليب الخاصة لتسيير المرافق العامة .

الفرع الأول:عقد الامتياز وعقد الإيجار.
في هذا الفرع سنتناول عقد الامتياز مبينين تعريفه, والطبيعة القانونية له , ثم كيفية تنفيذ الامتياز وبالتحديد حقوق وواجبات كل من مانح الامتياز وصاحب الامتياز والمنتفع , إضافة إلى نهاية الامتياز ,ثم التطرق بصفة عامة إلى عقد الإيجار.

أولا: عقد الامتياز.
يعرف على أنه عقد أو اتفاق تكلف الإدارة العامة المانحة سواء كانت الدولة أو الجماعات المحلية بموجبه شخصا طبيعيا أو شخص معنوي من القانون العام , أو من القانون الخاص ( شركة) يسمى صاحب الامتياز بتسيير مرفق عمومي لمدة محددة , ويقوم صاحب الامتياز بإدارة هذا المرفق مستخدما عماله وأمواله ومتحملا المسؤولية الناجمة عن ذلك , وفي المقابل يتقاضى صاحب الامتياز مقابل مالي يحدد في العقد , يدفعه المنتفعين الذين استفادوا من خدمات هذا المرفق[14].
1 - الطبيعة القانونية لعقد الامتياز.
الإشكال الذي كان يطرح هو: هل جميع التدابير التي بتضمنها الامتياز لها نفس الطبيعة القانونية أم لا؟
في الأصل والى غاية القرن العشرين (20م ), كان الامتياز يعتبر كليا عملا ذو طبيعة تعاقدية , لأنه كان ينظر إلى الامتياز بصفة اتفاقية , تبرم بين شخص عام وشخص خاص.
لكن منذ بداية القرن العشرين (20م), فإن مجلس الدولة قد رفض هذه النظرية العقدية الكلية
للامتياز , وذلك من خلال قراره المؤرخ في 21- 12 1906في قضية نقابة المالكين والمساهمين لحي صليب سيقي تيفولي في بوردو.
وبالتالي أعتمد كل من الفقيهين دوجي وهوريو على الطبيعة المختلطة للامتياز .[15]
بحيث يتضمن عقد الامتياز قسما تعاقديا , ينظم العلاقة بين السلطة المانحة للامتياز, وصاحب الامتياز من حيث الشروط المالية , مدة الامتياز..., وقسما أخر تنظيميا ويشمل البنود الملزمة الصادرة عن الإدارة لتنظيم علاقة صاحب الامتياز مع المنتفعين ( كيفية تشغيل المرفق العام , التعريفة , وضع العاملين ....), ويحق للإدارة تعديل البنود التنظيمية خلال تنفيذ العقد إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
ولا يستطيع صاحب الامتياز لرفض هذا التعديل , له فقط أن يطالب بالتعويض عن الضر الذي لحقه من جراء التعديل .
وفي حالة إخلال صاحب الامتياز بالبنود التنظيمية للعقد , يحق للمنتفعين تقديم طعن لتجاوز حد السلطة يرمي إلى إبطال القرارات الإدارية التي تخالف البنود التنظيمية , كما يحق للشخص الثالث طلب التعويض عن الضرر الحاصل عند امتناع الإدارة عن إلزام صاحب الامتياز بتنفيذ بعض الأشغال اللازمة مثلا كتوزيع الماء والكهرباء[16].
2 -  تنفيذ الامتياز.
أ‌أ-  حقوق وواجبات السلطة المانحة الامتياز .
-         - حق الإدارة في الرقابة و الإشراف .
للإدارة مانحة الالتزام حق الرقابة و الإشراف حول مدى احترام الملتزم للالتزامات التعاقدية، و وبغرض حسن سير المرفق و تلبية الخدمات العامة للجمهور فإن الإدارة مانحة الالتزام تسهر على إشراف و رقابة الملتزم .
 -  حق الإدارة في توقيع جزاءات على الملتزم .
عقد الالتزام باعتبار عقد إداري فهو يخول للإدارة سلطة توقيع الجزاء في حالة إخلال الملتزم بالتزاماته العقدية , فالإدارة لها حق تنفيذ هذه الجزاءات بمفردها دون اللجوء إلى القضاء كأصل عام ، فالإدارة مانحة الالتزام إذا رأت أن الملتزم أخل بالالتزامات لها أن توقع عليه جزاءات في شكل غرامات مالية يلزم صاحب الامتياز بل قد يصل الأمر إلى فسخ العقد في حالة الإخلال الجسيم من طرف الملزم .
و لكن في عقد التزام المرافق العامة هناك خروج على القاعدة العامة من ناحية أن القضاء الإداري الفرنسي أستقر على عدم جواز قيام الإدارة بفسخ العقد من جانبها بقرار إنفرادي على سبيل الجزاء و إنما يكون للقضاء الإداري وحدة النطق بفسخ عقد الالتزام . حماية للمتعاقد الملتزم الذي أنفق كثيرا لتجهيزات المرفق و منشآته .
غير أنه إذا نص في عقد الالتزام أن للإدارة حق إلغائه في حالة إخلال صاحب الامتياز رفضها فهنا يجوز لها ذلك إعمالا للشرط الوارد في العقد[17].
-         - حق الإدارة تعديل شروط العقد اللائحية .
تماشيا مع المستجدات التي تطرأ أثناء تنفيذ عقد الامتياز و إعمالا لقاعدة التكييف ، فإنه يحق للإدارة أن تعدل من قواعد الالتزام و لو بإداراتها المنفردة و ذلك تحقيق للمصلحة العامة التي أنشأ المرفق لتلبيتها و تحقيقها [18] .
-         - حق الإدارة في استرداد المرفق موضوع الالتزام .      
يجوز للإدارة مانحة الامتياز أن تسترد المرفق من قبل صاحب الامتياز ،و ذلك قبل انتهاء مدة الالتزام،و يرجع سبب استرداد المرفق من طرف الإدارة ليس لخطأ أو تقصير من طرف صاحب الامتياز و إنما يتم بالإرادة المفردة للإدارة لأسباب تتعلق بالصالح العام و السياسة العامة للدولة [19]

ب - أثار عقد الامتياز للملتزم .
يتمتع الملزم بمجموعة من الحقوق تتمثل فيما يلي:

- اقتضاء المقابل المالــــــي .
يتمثل المقابل المالي في تلك الرسوم التي يتقاضها الملتزم من المنتفعين من خدمات المرفق العام أو الثمن الذي تمنحه الإدارة في بعض الحالات ،و الذي يتم تحديده في العقد من حيث شروطه , كيفية تسديده أو مراجعته .
- التعويض .
         إلى جانب المقابل المالي ، فانه يحق للملزم أن يستفيد من التعويض الذي لحقه من جراء أعمال و تصرفات الإدارة مانحة الامتياز ، فقد تخل الإدارة مانحة الامتياز بالتزاماتها التعاقدية بحيث يترتب على ذلك المسؤولية العقدية تجاه الإدارة .
- الحفاظ على توازن المالي للالتزام .
 أثناء تنفيذ عقد الامتياز قد تقع أحداث ووقائع تجعل من تنفيذ عقد الامتياز من طرف الملتزم أمرا مرهقا ، كأن ترفع أسعار مواد معينة ، مما يؤدي إلى تهديد التوازن المالي للصفقة .
و عليه فقد استقر الفقه و القضاء الإدارين (فرنسا و مصر ) على أن هذا الوضع يتطلب إيجاد توافق بين عاملين هما ضمان سير المرفق العام بانتظام و اطراد من طرف صاحب الامتياز و من ضرورة تدخل الإدارة لسد و منع أي اختلال في التوازن المالي للعقد من خلال تحمل الأعباء المالية استنادا إلى نظرية فعل الأمير والظروف الطارئة .[20]

ج - آثار العقد بالنسبة للمنتفعين.
تنشا نتيجة عقد الامتياز علاقة بين المنتفعين و الإدارة من جهة ،و بين صاحب الامتياز أو الملتزم من جهة أخرى .
-  بين المنتفع و الإدارة .
تهدف المرافق التي يديرها شخص خاص إلى نفس الأهداف التي تسعى المرافق العامة إلى تحقيقها و المتمثلة في ضرورة تقديم الخدمة العامة للمنتفعين, حق مطالبة الإدارة التدخل لإلزام صاحب الامتياز باحترام شروط الالتزام و في حالة رفض الإدارة فانه يجوز للمنتفعين , حق اللجوء إلى القضاء الإداري لإلغاء القرار الإداري الصادر عن الإدارة و المتضمن عدم التدخل لإجبار صاحب الامتياز .
-  بين المنتفع و الملتزم .
 يجب على المنتفع و هو يستفيد من خدمات المرفق أن يدفع الرسوم المحددة في عقد الامتياز إلى الملتزم,وفي مقابل ذلك ينبغي على الملتزم ضرورة توفير الخدمات للمنتفعين مع إحترام مبدأ المساواة بين المنتفعين [21].و في حالة الإخلال بهذا المبدأ من طرف الملتزم فإنه يلزم بالتعويض عن الضرر الذي يصيب الغير جزاء على ما يترتب على هذا التميز من أضرار لهم.

3 - نهاية الامتياز .
ينتهي الالتزام بعدة طرق يمكن تصنيفها إلى طرق عادية طبيعية و طرق غير عادية .
أ - الطريقة العادية .
 تتمثل هذه الطريقة في انتهاء و انقضاء مدة عقد الامتياز ،و بانقضاء مدة الامتياز تتوقف كل الحقوق و الواجبات بين الطرفين [22] .
ب الطرق غير العادية .
-  السقوط.
 في حالة إخلال الملتزم بالالتزامات التعاقدية كذلك وفي حالة ارتكابه لأخطاء ، في تسير المرفق ، و الإدارة لا تستطيع أن توقع هذا الجزاء بنفسها بل تلجأ إلى القضاء ، إلا إذا احتفظت لنفسها بذلك الحق فهنا تستطيع أن تفعل ذلك بإرادتها المفردة [23] .
- استرداد الالتزام قبل نهاية مدته.
 تستطيع الإدارة مانحة الامتياز بناء على سلطتها التقديرية ، أن تنهي الالتزام قبل انقضاء مدته و لا يرجع السبب في هذه الحالة إلى حدوث خطا أو تقصير من جانب الملتزم و إنما رغبة الإدارة في تحسين سير المرفق العام و التي لم يعد للملتزم القدرة للقيام بها ، على أن تلتزم الإدارة بمنح تعويض للملتزم على مافاته من ربح و ما حل به من خسارة .

ثانيا: عقد الإيجار.
عقد إيجار المرفق العام هوا تفاق يكلف بموجبه شخص معنوي شخص أخر يسمي المستأجر استغلال مرفق عمومي لمدة معينة مع تقديم إليه المنشآت والأجهزة ,ويقوم المستأجر بتسيير استغلال المرفق العمومي مستخدما عماله وأمواله , وفي المقابل يتقاضى المستأجر مساهمة مالية للشخص المعنوي لاسترجاع مصاريف المنشات والأجهزة الأصلية , وهذا الأسلوب أستعمل في الجزائر خاصة على مستوى الجماعات المحلية , بحيث يجيز قانون البلدية ,كراء أملاكها ولاسيما منها المنشات والتجهيزات وذلك عن طريق إجراء المزايدة مثل كراء الأسواق, كراء حقوق الوقوف , كراء المسالخ البلدية.[24]

الفرع الثاني:التجمعات والمنظمات المهنية .
تسمى هذه المرافق العمومية المهنية أو التجمعية .
أولا: المنظمات المهنية .
يقصد بها مجموعة من الأشخاص تجمعهم وحدة المهنة وتتمتع بالشخصية العمومية , وتتولى إدارة هذه المرافق هيئات يخولها القانون بعض امتيازات السلطة العامة , حتى تتمكن من تنظيم وتوجيه هذه المهنة والإشراف على نشاطاتها المحدودة والدفاع عن مصالحها المشتركة أمثلة : المنظمة المهنية للمحاماة , المنظمة المهنية للأطباء.
فبل الاستقلال كانت المهن الحرة مجمعة ضمن نظام يسمى المنظمة المهنية , وكانت هذه الأخيرة تتضمن هيئات مكلفة بتامين  الانضباط داخل المهنة , وذلك عن طريق توقيع عقوبات تأديبية ضد الأعضاء الذين أخلو بسلوكيات المهنة .
لكن بعد الاستقلال لم تستمر هذه المنظمات في الوجود باستثناء منظمة المحامين التي استمرت بموجب الأمر 67-202 والأمر72-62 ثم بموجب الأمر 75-61المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.
لكن مع دستور 1989 تم إعادة  النظر في كل النصوص التشريعية والتنظيمية في مختلف المجالات بما فيها النصوص القانونية التي تنظم المهن الحرة ,على سبيل المثال القانون رقم 88-27المؤرخ في 12 جويلية 1988يتضمن تنظيم التوثيق.
القانون رقم 91-08 المؤرخ في 27-04-1991المتعلق بتنظيم مهنة الخبير والمحاسب ومحافظ الحسابات والمحاسب المعتمد. اما بالنسبة للقانون 88-27 الغي بموجب القانون رقم 06-02 المؤرخ في 20-2-2006 .
  ثانيا: التجمعات المهنية .
قد ظهر هذا النوع أثناء الحرب العالمية الثانية مع حكومة  VICHY الفرنسية , وقد تم تمديد العمل به في الجزائر بعد الاستقلال .
المرسوم رقم 64-233 المؤرخ في 10-08-1964 حدد النظام القانوني للتجمعات المهنية -التجمعات الشرائية - وقد أرتكز هذا المرسوم على التجربة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية فيما يخص لجان التنظيم ف البداية , تجمعات المنتجات وتجمعات المستهلكين وتجمعات الاستيراد والتوزيع والشراء على مستوى المحافظة فيما بعد , علما أن هذه الأعمال الصادرة عن هذه التجمعات تعتبر قرارات إدارية خاضعة لرقابة  قاضي تجاوز السلطة [25].

الفرع الرابع:أسلوب المقاولة العمومية .
إن المقاولة العمومية -تلك الدولة و الجماعات المحلية- ترتكز على ميزة مزدوجة ، تتمثل الميزة الأولى في أنها أنشأت بغرض توفير السلع و الخدمات من خلال عملية الإنتاج التي تقوم بها,مع خضوع السلطة و إشراف الأشخاص المعنوية العامة ,أما الميزة الثانية للمقاولة العمومية فإنها ترتكز في عملها لنوعين من قواعد القانون فهي تخضع لأحكام القانون العام ، كما تخضع لأحكام  القانون الخاص أي بمعنى أنها تخضع لقواعد القانون العام و قواعد القانون الخاص معا .
أولا: تطور مفهوم المقاولة العمومية في الجزائر .
عرف مفهوم المقاولة العمومية تطورا عبر النصوص القانونية فمنذ الاستقلال إلى يومنا هذا ، و هذا التطور في المفهوم راجع إلى طبيعة النظام الاقتصادي الذي عرفته الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية اليوم .
أ‌-      استعمال مفهوم المقاولة العمومية غداة الاستقلال .
     مع مطلع الاستقلال ورثت الدولة الجزائرية نظاما قانونيا و اقتصاديا من الاستعمار تأكد ذلك بصدور القانون رقم 62-157 المؤرخ في 31 ديسمبر 1962 ، حيث (احتفظت الجزائر في هذه الفترة بالنظام اقتصادي اليبرالي ) الذي نص على تمديد العمل بالنصوص القانونية الموروثة عن الإدارة الفرنسية ، فقط ما يتعارض مع السيادة الوطنية ، فإن جانب المنظومة القانونية ، احتفظت الجزائر بالنظام الاقتصادي  اليبرالي, هذا النظام الذي [26] عبر عن رأسمالية الدولة ،و عرفت هذه الفترة العمل بالمقاولات العمومية حيث أخذت تشكل عدة تسميات ، المؤسسة العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري (EPIC) شركة الدولة أو ما يعرف بالشركة الوطنية و الشركة العمومية ، فهي تعبر عن المثال النموذجي لرأسمالية الدولة .
   هذه المقولات العمومية التي كان بعضها يخضع لقواعد القانون العام  كالمؤسسة العمومية الصناعية و التجارية ، بينما تخضع المقاولات العمومية الأخرى لقواعد القانون الخاص أو العادي كالشركة, هذه الأخيرة التي تأخذ شكل شركة ذات مساهمة رأس مالها عمومي أو شكل الشركة ذات الاقتصاد المختلط ,و من أمثلة عن هذين النموذجين في الجزائر في هذه الفترة أي فترة الاستقلال  نذكر على سبيل المثال الديوان الجزائري المهني للحبوب و الذي اخذ شكل مؤسسة عمومية صناعيية و تجارية و الشركة الوطنية للتبغ و الكبريت في صورة شركة عمومية .
ب‌-   استعمال مفهوم المقاولة العمومية من 1963 إلى 1988 .
           عرفت الجزائر في هذه الفترة الانطلاقة الأولى في تطبيق النظام الاشتراكي ، حيث ظهر النظام الاشتراكي في هذه المرحلة في عدة مفاهيم ، في البداية عرف النظام الاشتراكي في مضمونه التسيير الذاتي l’autogestions  بمقتضى عدة مراسيم صدرت سنة 1963 ، غير أنه مع بداية السبعينات و آخر الثمانينات ، ظهر النظام الاشتراكي من خلال مضمون أو مفهوم آخر وهو التسيير الاشتراكي للمؤسسات بمقتضى الأمر رقم 71-74 المؤرخ في 16 نوفمبر 1971 المتعلق بالتسيير الاشتراكي للمؤسسات الجريدة الرسمية رقم 101 ،ص 1736.
و تجدر الإشارة إلى أن المفاهيم السابقة للمقاولة  العمومية و التي عرفتها فترة الاستقلال لم تختف في هذه المرحلة بل بقيت قائمة إلى جانب المقاولة المسيرة و المقاولة الاشتراكية .
ج-  المقاولة العمومية في ظل اقتصاد السوق .
بتاريخ 12 جانفي 1988 صدر القانون رقم 88-01 المتضمن القانون التوجيه للمقاولات العمومية الاقتصادية و أهم ما جاء في هذا القانون هو تأكيد على استقلالية تسيير المقاولات العمومية و هذا كله وفقا للآليات اقتصاد السوق ، بحيث أصبحت المقاولات العمومية تتمتع بالشخصية المعنوية و تخضع لقواعد القانون التجاري  ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
أي أصبحت المقاولات العمومية تسير مثل الشركات التجارية [27].
كما تجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 88-01 ميز بين نوعين من المقاولات العمومية
-         مقاولات عمومية تنتج الأموال المادية و المتمثلة في المقاولات العمومية الاقتصادية .
-         مقاولات عمومية لا تنتج الأموال المادية بل يقتصر دورها في تسيير و الاستثمار في الأموال المنقولة و هي الأسهم ، يسميها البعض بالمقاولات بدون مصنع ، و تسمي أيضا بشركة تسيير السندات.
د - المقاولة العمومية الاقتصادية بالمفهوم الضيق .
عرفتها المادة 5 من القانون رقم 88-01 " المقاولات العمومية الاقتصادية ، شركات مساهمة أو شركات محدودة و المسؤولية تملك الدولة و /أو الجماعات المحلية فيها مباشرة أو بصفة مباشرة , جميع الأسهم أو الحصص.
ويتوقف الاختيار بين أحد الشكلين المنصوص عليها أعلاه على ميدان عملهما و أهميته في التنمية الاقتصادية.
وزيادة على ذلك و باستثناء الاستثمار في شكل المساهمة في مقاولة عمومية اقتصادية وطنية فإن إنشاء الجماعات المحلية للمقاولات يكتبسي عموما شكل ذات مسؤولية محدودة " و لقد نصت المادة 3 الفقرة 2 من القانون رقم 88-01 " ...تتمتع المقاولة العمومية بالشخصية المعنوية التي يسرى عليها قواعد القانون التجاري إلا إذا نص صراحة على أحكام قانونية خاصة " و قد أكد كذلك على هذا الطابع التجاري للمقاولات العمومية الأمر رقم 01 -04 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتعلق بتنظيم المقاولات العمومية ,الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتعلق بتنظيم المقاولات العمومية الاقتصادية قد تأخذ صورة شركة مساهمة (SPA) أو شركة ذات مسؤولية محدودة  و عليه وبغض النظر عن شكل الشركة التي تأخذها المقاولة العمومية فإن هذه الأخيرة تكون من الأجهزة التالية الجمعية العامة ، سجل الإدارة المدير العام أو المسير.

ثانيا: المقاومة العمومية و مرحلة الخوصصة .
جاء الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 بتعليق بتنظيم المقاولات العمومية الاقتصادية و تسيرها و خوصصتها .
أ   أ-    تعريف الخوصصة .
        عرفتها المادة 13 من الأمر رقم 01-04 على النمو التالي " يقصد بالخوصصة كل صفقة تتجسد في نقل الملكية إلى أشخاص طبيعين أو معنويين خاضعين للقانون الخاص من غير المقاولات العمومية و تشمل هذه الملكية :
كل رأس مال المقاولة أو جزء منه ، تجوز الدولة مباشرة أو الأشخاص الخاضعون للقانون العام و ذلك عن طريق التنازل عن أسهم أو حصص اجتماعية أو اكتتاب لزيادة في الرأسمال .
الأصول التي تشكل وحدة  استغلال مستقلة في المقاولات التابعة للدولة " .
ب‌  ب - الخوصصة و المرفق العمومي .
تقضي المادة 16 من الأمر رقم 01-04 :" عندما تكون مقاولة عمومية اقتصادية تؤمن مهمة المرفق العمومي موضوع خوصصة تتكفل الدولة بضمان استمرارية المرفق العمومي ".
كما نصت المادة 6 من الأمر "بغض النظر عن أحكام هذا الأمر فإن المقاولات العمومية التي تكتسي طابعا استراتيجيا على ضوء برنامج الحكومة، تخضع لنصوص قوانينها الأساسية التنظيمية المعمول بها، أو نظام خاص يحدد عن طريق التنظيم ".
يتضح مما سبق ذكره أن الدولة غير ملزمة بخوصصة المقاولات العمومية ، فهي تتمتع بالسلطة التقديرية في ذلك لا سيما المقاولات التي تعتبر إستراتجية بالنسبة للدولة و لها علاقة بالمرافق العمومية  الكبرى مثل قطاعات الماء ، الكهرباء ، الغاز .[29]

المطلب الثاني:أسلوب الاقتصاد المختلط (الاستغلال المختلط).

في البداية كانت الدولة تقوم بتسيير المرافق العمومية مباشرة , لكن لظروف وخصائص معينة قامت الدولة بتفويض جزء من التسيير إلى الأفراد , لكن الدولة تكون في هذه الحالة في المركز الأقوى وهذا بسبب مساهمتها بغالبية الأسهم والباقي يكون للأفراد, وهذا مايعرف بأسلوب الاستغلال المختلط بين الدولة والإفراد, إذ سنتناول في هذا المطلب مفهوم الاستغلال المختلط , وشركات الاستغلال المختلط في الجزائر قبل الاستقلال وبعده .

الفرع الأول:مفهوم الاستغلال المختلط.
يقصد بأسلوب الاستغلال المختلط هو إدارة المرفق العام بواسطة شركة تجارية يساهم فيها كل  من الأفراد والسلطة العامة , وتتخذ عادة صورة شركة المساهمة وتخضع للقانون التجاري ,ويتم إنشائها بقانون كما هو الحال في إنشاء المرافق العمومية , وعليه فإنها تخضع لجميع المبادئ التي تحكم سير المرافق العمومية.
فبالنسبة إلى لخضوعها للقانون التجاري يكون متعلقا بنشاطها وإدارتها ...
وعليه تتم إدارة المرفق العام من حلال هيئة مختلطة تتكون من أشخاص عامة أشخاص خاصة , علما أن السلطة العامة تمتلك غالبية الأسهم والباقي يكون للأفراد , ولهذا ظهرت هذه الطريقة لتفادي عيوب الاستغلال المباشر أو الامتياز ولإقامة نوع من التوازن بين الأشخاص العامة والأشخاص الخاصة والوصول إلى ربح مفيد للطرفين[30], ومنه نفرق بين شركة الاقتصاد المختلط والشركة الوطنية لان هذه الأخيرة تكون السلطة العامة هي المساهمة والمالكة الوحيدة .

الفرع الثاني :  شركات الاقتصاد المختلط.
أولا: خلال الفترة الاستعمارية .   
إن شركات الاقتصاد المختلط وجدت في ثلاث قطاعات :
1-   قطاع الصناعة والطاقة : مثال شركة أوونزا(0UENZA) التي أحدثت بعد أزمة عام 1929
الاقتصادية,وفي عام 1944 كانت الجزائر مستعمرة تشارك بـ 28% من رأس المال ,وكانت ممثلة في مجلس الإدارة بـ ثلاثة إداريين , لكن أممت الشركة حاليا وألحقت بالسونارم شركة كهرباء الغرب الجزائري التي أصبحت جزءا من شركة الكهرباء وغاز الجزائر (E .G.A) في عام 1947, وكانت المشاركة الجزائرية تقدر بـ 51%, مؤمنة بواسطة السونطراك , ثم أصبحت 100% في عام 1971.
2-   القطاع العقاري وغير المنقول.
الصندوق العقاري الزراعي الذي أحدث بموجب القانون 28-07-1927 والذي تتشارك فيه الجزائر والصندوق الإقليمي للاعتماد المتبادل.
الصندوق الجزائري للأموال غير المنقولة (C.I .A) أحدثت في 1948 وأصبح منذ ديسمبر 1969 شركة دولة بعد الاتفاق الحاصل بين الجزائر والمساهمين الخاصين الفرنسيين.
3- قطاع النقل : الشركة الوطنية للخطوط الحديدية الجزائرية والتي نشأت عن تحويل شركة الخطوط الحديدية الجزائرية والتي كان رأس مالها يعود كليا للجزائر, ثم منذ سنة 1976اصبحت تسمى الشركة الوطنية للنقل بالخطوط الحديدية .[31]

ثانيا: منذ الاستقلال.
أحدثت شركات اقتصاد مختلط جديدة,وقد تحولت التأميمات النفطية التي أعلنت في 1970كل الشركات الفرنسية إلى شركات مختلطة حيث مثلت المشاركة الجزائرية 51%من الأسهم .، ومن أمثلة ذلك : الشركة الوطنية للميتان السائل التي تشارك فيها رؤوس الأموال العامة (سونطراك) ورؤوس الأموال الخاصة الانجلوسكسونية .
الشركة الجزائرية للتأمينات والتي أحدثت سنة 1963( الجزائر 61%والجمهورية العربية المتحدة 39%) وأصبحت شركة وطنية بعد إقامة احتكار الدولة في قطاع التأمينات .
مصرف الجزائر – مصر والتي أحدثت في سنة1963 بين الجزائر وبنك مصر,وأمم والحق بصرف الاعتماد الشعبي الجزائري في ديسمبر 1967 .[32]
ومنه يتضح لنا أن نسبة المشاركة في الأسهم في هذه الشركة متوقف على مبدأ الرقابة على أعمال المرفق من خلال اشتراك ممثلي الحكومة في مجلس إدارة  الشركة , ويكون الرأي لهم الأعلى لأن هذا الرأي هو الذي يملك غالبية الأسهم ومن هنا يكون لهذه السلطة رقابة داخلية ورأي غالب في إدارة الشركة . [33] 

خـــــــاتمة.

إن التطور في تسيير وإدارة  المرافق العمومة في الجزائر قد أدى نوعا ما إلى الانتقال من التسيير المباشر إلى التسيير غير المباشر , من خلال اعتماد لعدة أساليب أخرى تتماشى والطبيعة الاقتصادية والاجتماعية المجتمع , مما أدى ذلك إلى الوصول بوجود مايعرف بالمردودية النسبية لهذه المرافق , من خلال تحقيق حاجيات المواطن البسيط خاصة بعد الانفتاح على السوق والعولمة , والتي ضربت بجذورها في أعماق الاقتصاد , مما أدى بالضرورة إلى التخلي عن بعض الأساليب كالتسيير المباشر للمرافق العمومية , إلا بعض المرافق العمومية ذات الخصوصية ,إذ لا تستطيع الدولة أن تتخلى عنها ,ولكن نأمل في المستقبل أن هذه المرافق العمومية تكون في خدمة الجميع وتلبي حاجات الجميع, لأن المرافق العمومية مهما كانت فهي ملك للجميع.






 [1]د /عمار بوضياف , شرح قانون البلدية .الطبعة الأولى , جسور للنشر والتوزيع, الجزائر , سنة 2012,ص, 226,227.                                   
 [2]د/ عمار بوضياف, شرح قانون البلدية , نفس المرجع ,ص, 227.                                                                                                      
3.الدكتور صافي علي الطهراوي ، القانون الإداري ،الكتاب الأوائل ، ماهية القانون الإداري ، التنظيم الإداري النشاط الإداري مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع الأردن ، 1998 ص, 286 .
[4].الدكتور محمد صغير بعلي ، القانون الإداري ، التنظيم الإداري ، النشاط الإداري ، دار العلوم ، الجزائر ، ص. 241 ،242 .
[5]A .MAHIOU , COURECD’ INSTITUTION ADMINISTRATIVES , 3° EDITION OFFICE DES PUPLICATION                                UNIVERSITAIRES ,ALGER 1981 P ,296
[6].الدكتور محمد صغير بعلي ، المرجع السابق ، ص 241، 242 .
[7] .دكتور محمد رفعت عبد الوهاب ، مبادئ و أحكام القانون الإداري ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2005 ، ص325.
[8].د رفعت محمد عبد الوهاب , نفس المرجع ، ص 329، 330 .
[9].دكتور محمد صغير بعلي ، المرجع السابق ، ص 244.
[10].دكتور عمار بوضياف ، المرجع السابق ، ص 353 .
[11] د/ عمار بوضياف , نفس المرجع, ص, 354.                                                                                                                       
[12] ظريفي نادية ,تسيير المرفق العام والتحولات الجديدة , دار بلقيس, الجزائر ,ص, 88.                                                                         
[13]  عمار بوضياف , المرجع السابق,355.                                                                                                                               
   [14]  ناصر لباد , الوجيز في القانون الإداري, الطبعة الرابعة ،دار المجد للنشر والتوزيع,سطيف, سنة 2010, ص,221,220.                                          
   [15] ناصر لباد , نفس المرجع ,ص, 224,223.                                                                                                                       
 [16]هيام مروة ,القانون الإداري الخاص ,الطبعة الأولى ,سنة 2003, مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ,لبنان, ص, 104.                
[17]  محمد رفعت عبد الوهاب , المرجع السابق , 341,340.                                                                         
[18]  محمد الصغير بعلي , المرجع السابق ,ص151.                                                                                                                   
[19].محمد رفعت عبد الوهاب ،المرجع السابق ، ص 342 .
[20]. محمد الصغير بعلي ،  المرجع السابق  ، ص, 252 ، 253 ، 254 .
[21]. عتيقة بالجبل ، النظام القانوني للمرافق العام ن دراسة مقارنة ـ مجلة مقارنة ، مجلة المنتدى القانوني ، العدد السادس ، ص 263.
[22].ظريفي نادية ، المرجع السابق ، ص 197.
[23].مصطفى أبو زيد فهمي ، المرجع السابق ، ص 403 ,404 .
 [24] ناصر لباد ,المرجع السابق ,226,225.                                                                                                                             
[25] ناصر لباد , نفس المرجع , ص, 228,227.                                                                                                                       
[26]. ناصر لباد  ، نفس المرجع ، ص, 230، 232 .
[27].ناصر لباد ، نفس المرجع ، ص, 233 ، 234 .
[28]. ناصر لباد ، نفس المرجع ، ص 235، 236 ، 237 .
[29]. ناصر لباد ، نفس المرجع , ص 239 ، 240 .
[30]  إعاد علي حمود القيسي ,الوجيز في القانون الإداري ,الطبعة الأولى , دار وائل للنشر ,عمان ,سنة 1998, ص, 186.                                    
[31]  أحمد محيو ,محاضرات في المؤسسات الإدارية : ترجمة محمد عرب صاصيلا, الطبعة , الرابعة , د, م, ج, ج , سنة , 2006,ص447,446  .        
[32]  أحمد محيو ,نفس المرجع , 269,268.                                                                                                                             
[33] إعاد علي محمد القيسي ,المرجع السابق ,ص, 187.                                                                                                               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق