مدونة الحقوق والعلوم السياسية

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

الرقابة القضائية على محل قرار الضبط الإداري


الرقابة القضائية على محل قرار الضبط الإداري
مقدمة
       لقد عرفت الرقابة القضائية على نشاط الإدارة تطورات هامة في القوانين المقارنة, خاصة القانون الفرنسي إلى أن أصبح القضاء الإداري يراقب من خلاله شرعية النشاط الإداري من خلال الوسائل المتاحة للأفراد الطعن في شرعية الأعمال الإدارية الخاضعة لهذه الرقابة, وكما هو معلوم أنّ الرقابة يكون مضمونها في عناصر قرار الضبط الإداري, وخاصة في موضوعنا هذا هو عنصر المحل , وعلى هذا الأساس يشكل هذا العنصر أوجه دعوى الإلغاء, وعليه فإن محل قرار الضبط الإداري من أهم المواضيع المتعلقة بالشرعية الداخلية .
      إن المحل في قرارت الضبط الإداري يجب أن يكون مشروع ومطابق للقانون أي إحترام القواعد القانونية سواء كانت مكتوبة ( دستور, النصوص التشريعية والتنظيمية ) أو غير مكتوبة ( المبادئ العامة للقانون, إحترام الأحكام الحائزة لحجية الشيء المقضي فيه), ومنه فإن القرارات المخالفة للقانون سواء كانت ناتجة عن تجاهل لقاعدة قانونية, أو ناتجة عن تفسير خاطئ لهذه القاعدة , فيؤدي هذا إلى وجود عيب في قرار الضبط الإداري  وهو عيب المحل, وهذا كله أعطى للموضوع أهمية تتجلى من خلال أن مشروعية محل قرار الضبط الإداري متوقف على إحترام القواعد القانونية المكتوبة وغير مكتوبة, أما السبب لاختيارنا هذا الموضوع  هو راجع  إلى أن المحل من بين العناصر المهمة, فالإخلال به يؤدي إلى وجود اضطراب  للنظام العام , وبالتالي يؤثر بطريقة أو بأخرى على المصلحة العامة التي يحميها القانون .
     ومن ذلك إعتمدنا إشكالية تتمثل في ماهى المصادر الواجب توافرها في محل قرار الضبط الإداري؟ وما مدى فعالية الرقابة القضائية على محل قرار الضبط الإداري ؟ وهل هذه الرقابة ضامنة لحريات الإفراد؟
فللإجابة على هذه الإشكالية انتهجنا المنهج الوصفي لإثراء الموضوع من عدة جوانب, وكذلك المنهج المقارن, معتمدين على خطة ثنائية المبحث والمطلب, ففي المبحث الأول تطرقنا إلى المصادر المكتوبة لمحل قرار الضبط الإداري, أمّا في المبحث الثاني إلى المصادر غير مكتوبة لمحل قرار الضبط الإداري.
المبحث الأول : المصادر المكتوبة لقرار الضبط الإداري
إن قرارات سلطات الضبط الإداري لابد أن تتوافق مع النصوص القانونية المكتوبة سواء كان مصدرها الدستور أو القانون العادي أو التنظيم.
المطلب الأول: إحترام القواعد الدستورية
تعد قرارات الضبط الإداري المخالفة للدستور غير شرعية, إلا أن هناك إختلاف في الرقابة على قرارت الضبط الإداري لمخالفتها للقواعد الدستورية في الأنظمة المقارنة .
الفرع الأول: في فرنسا
إن الرقابة على القرارات الضبطية المخالفة للقواعد الدستورية قد ميز القضاء بين حالتين من عدم دستورية قرار الضبط الإداري ليعمل رقابته.
أولا: صدور قرار ضبط إداري تطبيقا لتشريع مخالف للدستور
يعد قرار الضبط الإداري الصادر وفق تشريع مخالف للدستور في هذه الحالة يفلت من جزاء الإبطال لعدم الدستورية, لان القاضي يطبق التشريع, وبالتالي لا يمكنه تجاوز ذلك للبحث في دستورية التشريع من عدمه - لأن الذي له حق الرقابة هو المجلس الدستوري بشرط أن يتم إخطاره من قبل جهات مختصة – وقد عهد مفوض الدولة latournerie  بقوله " الموقف الحالي في القانون الفرنسي بطبيعته لا يشجع على مناقشة موضوع الرقابة على دستورية القوانين أمام مجلس الدولة ".
ويقول الأستاذDebbach  أنّ القضاة الإداريين والقضائيين لا يختصون بمسألة دستورية التشريع ولا الأعمال الإدارية الصادرة عن أساسه, فالتشريع يشكل حاجزا بين القاضي وبين الدستور, وبذلك فالرقابة يمارسها المجلس الدستوري , وفي حالة وجود نص تشريعي غامض فهنا القاضي له دور التفسير فقط محترما قواعد الدستور. [1]
ثانيا : عدم وجود تشريع حاجز بين القاضي والدستور
في حالة عدم وجود حاجز لا يمنع القاضي من الإعلان عن بطلان قرار الضبط المخالف مباشرة للقواعد الدستورية, والدليل على ذلك أن مجلس الدولة الفرنسي صدر قرار بشرعية قرار ضبط إداري برفض رخصة  جمعية المحاربين من أجل السلم والحرية , والتي تقدمت بطلب الحصول على الرخصة, وسبب الرفض هو أن الجمعية نشاطها مخالف للدستور طبقا لنص المادة 03 من دستور 1946 .[2]
الفرع الثاني: في مصر
لا حاجز أمام القضاء المصري في تقرير وإعلان عدم شرعية عمل ضبط إداري يخالف الدستور, ويستثنى من ذلك الرقابة على دستورية اللوائح التي اختصت بها المحكمة الدستورية العليا .
الفرع الثالث: في الجزائر
إن الوضع في الجزائر يطابق ماهو موجود في فرنسا إذ لايمكن للقاضي الإداري الحكم ببطلان  قرار الضبط الإداري صدر وفقا لتشريع مخالف للدستور, إذ أن مهمة الرقابة على دستورية القوانين موكولة للمجلس الدستوري[3] , ولا يسمح لأي كان بتحريك إجراءات الدعوى الأصلية أمام المجلس الدستوري خارج رئيس الجمهورية ورئيسي البرلمان .
أما اللوائح المستقلة التي تعتبر قرارات إدارية التي غالبا ما تأخذ اسم مراسيم, فإن النظام القانوني الجزائري يمنح للقاضي الإداري صلاحية  إلغاء هذه  القرارات.
أما الحالة التي يكون فيها قرار الضبط الإداري مستقل, ولا يوجد تشريع عاجز بين القاضي والدستور , فإن القاضي الإداري يمكن له إلغاء القرار بسبب عدم الدستورية[4], وبالتالي فان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على أعمال الإدارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الأفراد في مواجهة تعسف الإدارة ويؤدي بالإدارة إلى التأني والحذر في تصرفاتها لتتأكد من مطابقتها للقانون, وقد حمل القضاء الإداري على كاهله هذه المهمة, وتتجلى أهمية وجود قضاء إداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية من نواح متعددة نظرية وعملية.
أولا: من النواحي النظرية 
 إن رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة تعتبر الجزاء الأكيد لمبدأ المشروعية, والضمانة الفعالة لسلامة وتطبيقه و التزام حدود أحكامه, وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الأفراد من جور وتعسف الإدارة.
  تحقق رقابة القضاء على أعمال الإدارة ثباتاً واستقراراً في النظام القانوني للدولة والأوضاع الادارية .[5] فهذا القضاء يتمتع بالخبرة والفاعلية في فض المنازعات التي تنشأ بين الإدارة والأفراد , وهو مجال لا يجوز تركه للقضاء المدني .
    فإذا كان القضاء العادي يمارس شكل من أشكال الرقابة في الحدود التي يفرضها القانون وله الولاية في الفصل في المنازعات بين الإدارة والأفراد في بعض الدول وخاصة الانكلوسكونية منها فان رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة تحقق التوازن بين المصلحة العامة والخاصة وهي مهمة تتطلب الإلمام بالقانون الإداري وطبيعة المنازعة الادارية والقدرة على التمييز بين علاقات القانون الخاص وعلاقات القانون العام . وهو ما جعل للقانون العام النمو المتزايد يوماً بعد يوم حتى أصبحت معظم موضوعاته مستقلة تمام الاستقلال عن القانون الخاص .[6] و أحكام  القضاء العادي تتميز بأنها ذات حجة نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيرياً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة.  
ثانيا: من النواحي العملية  
1-  يمثل القضاء الإداري الجانب العملي والتطبيقي للقانون الإداري الذي تعد دراسته مجالاً خصباً وميداناً فسيحاً للصراع المتطور بين السلطة والحرية, والمعركة الخالدة بين المصلحة العامة وحقوق الفرد وتبعا لذلك تزداد الأهمية العملية لوجود القضاة المتخصصين في المنازعات الادارية خاصة بعد ازدياد تدخل الدول في كل الميادين التقليدية للنشاط الفردي ومضاعفة واتساع المرافق العامة, وتشعب وتنوع وظائفها وتعقد روابط السلطة العامة بالجمهور, فتضاعفت كنتيجة حتمية لكل ذلك فرص الاحتكاك بين الإدارة والأفراد.[7]
2-   اختلاف مراكز الخصوم في الدعوى الادارية عنها في الدعوى المدنية , الأمر الذي يتطلب من القاضي في الأولى أن يكون أداة دقيقة لإعادة ميزان العدل في حكم علاقة الأفراد بالدولة , فيسد عن كل طرف عجزه ويكمل وجهة النقص فيه .[8]
فالقاضي الإداري له وضع خاص ومتميز في مواجهة القانون والإدارة والأفراد, وهو ما يتطلب أو يستلزم تخصصه في الفصل في الدعاوى الادارية واستقلاله عن جهة القضاء العادي, وإعداده الإعداد القانوني الجيد حتى يقوم بالدور المهم الذي يوكل إليه .[9] 
المطلب الثاني : إحترام النصوص التشريعية والتنظيمية
إن من واجب الأفراد إحترام القواعد القانونية التي بيّنها البرلمان هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن الإدارة يجب عليها مراعاة أحكام القانون فيما يصدر عنها من قرارات تتصل بهم, حيث يكون من شأن الإدارة تجاهل قرارات الإدارة لأحكام القانون, أو أعمال بمقتضاها تؤثر بشكل مباشر على الحوافز القانونية للأفراد وحقوقهم المشتقات من القانون[10].
الفرع الأول: مطابقة محل قرار الضبط الإداري للقانون
القاضي الإداري له حق إلغاء القرار الإداري سواء كانت المخالفة مباشرة أو غير مباشرة, وبذلك فإن قرارات الضبط الإداري يستلزم أن يكون محلها مطابق للقانون, ويستوي في ذلك القرار الذي يكون مخالف مباشرة للقانون والقرار والذي يكون مخالف مباشرة للقانون والقرار الذي كان بناء على تفسير خاطئ للقانون [11], وفي هذا الصدد ألغي مجلس الدولة قرار ضبط إداري لمخالفته للقانون وتتمثل هذه القضية فيما يلي :
-         رقم القضية :6195
-         تاريخ الجلسة: 23سبتمبر 2002
-         أطراف القضية : والي ولاية الجزائر العاصمة ضد بن فضة مصطفى
-         موضوع قرار الضبط الإداري : قرار ولائي بغلق حانة لمدة غير محددة بغرض المحافظة على النظام العام و الآداب العامة .
حيثيات القرار:
أنه حسب نص المادة 10 من الأمر رقم 75/41 يمكن للوالي بغلق إداري للمخمرة أو المطعم لمدة لا تتعدى 06 أشهر إما إثر مخالفة القوانين والقواعد المتعلقة بهذه المؤسسات بغرض الحفاظ على صحة السكان وحفاظا على الآداب.
وأنه وحدها السلطة القضائية يمكنها الأمر بالغلق النهائي لهذه المؤسسات وذلك طبقا لأحكام المادة 07 من الأمر المذكور أعلاه ,وأن الوالي عندما أمر بغلق المحل الذي يسيره المستأنف عليه إلى إشعار آخر دون أن يتأكد بأن هذا الغلق لا يمكن أن يتجاوز 06 أشهر , فإن والي ولاية الجزائر لم يحترم أحكام الأمر رقم 75/41 المذكور أعلاه, وقضاة المحكمة لم يقوموا إلا بتطبيق القانون.[12]
وبالتالي يتجلى من خلال هذا القرار أن رقابة مجلس الدولة كانت على محل القرار المتمثل في غلق الحانة لمدة غير محددة, وأن محل هذا القرار كان مخالف لأحكام القانون , فإن القرار غير شرعي, فقضى مجلس الدولة بإلغائه ( تأييد القرار الذي أصدرته الغرفة الإدارية ).
وزيادة على هذا يجب على سلطات الضبط إحترام القواعد والنصوص التنظيمية , إذ أنّ هذه النصوص تعد بمثابة تشريع فرعي لما تضمنته من قواعد عامة ومجردة .[13]
الفرع الثاني: مطابقة محل قرار الضبط الإداري للقرارات الصادرة عن السلطة العليا.
إضافة إلى إحترام قواعد التدرج العضوي والتدرج الموضوعي, فيجب أن يكون قرار الضبط الإداري محترم للقرارات الصادرة عن سلطة عليا .
أما بالنسبة لقواعد التدرج الموضوعي فالقرار الفردي يجب أن يحترم القاعدة القانونية العامة , وأيضا يستلزم إحترام سلطة الضبط المصدرة لقرار تنظيمي أن تحترم ذلك في التطبيقات الفردية , إلا أنه تجدر الإشارة أنه يمكن لسلطات الضبط المحلية أن تخالف أو تزيد شروط خاصة لمواجهة الظروف المحلية .
ونجد أن في قضاء مجلس الدولة الفرنسي أنه ألغى قرار فردي لمحافظ مقاطعة يعفي من خلاله صاحب حانة من أحكام قرار تنظيمي أصدره العمدة , وجاء في حيثيات الحكم أن اتخاذ القرار من طرف المحافظ ليس ممارسة لسلطته الرئاسية , وإنما ينطوي على اعتداء على السلطة العمدة  في الضبط (مجلس الدولة الفرنسي,08 ديسمبر 1892).[14]
وإلى جانب المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية, يوجد المخالفة غير مباشرة والتي تتمثل في حالة وجود خطأ في تفسير وتطبيق القانون خاصة في حالة الغموض حيث يصدر القرار بناء على تفسير أو تأويل خاطئ لمضمون القاعدة القانونية.[15]
ففي هذه الحالة تكون قرارات الضبط الإداري المتخذة بناء على تفسير أو تأويل خاطئ للقانون غير شرعية , وقد أعلن القاضي الإداري الفرنسي عدم مشروعية قرار رفض الترخيص بلعبة " الروليت "  المبني على نص لعبة الكرة والألعاب المماثلة لأن اللعبة الروليت والكرة ليستا لعبتان متماثلتان, كذلك عدم مشروعية قرار ضبط يحظر لعبة  "الدومينو" لأنها ليست من ألعاب القمار أو المشابهة لها التي صدر يمنعها قرار وزير الداخلية .
المبحث الثاني : المصادر غير المكتوبة لقرار الضبط الإداري
إلى جانب المصادر المكتوبة التي تلتزم سلطات الضبط الإداري باحترامها في قراراتها , توجد كذلك المصادر غير مكتوبة التي تتمثل في المبادئ العامة للقانون واحترام حجية الشيء المقضي فيه .
المطلب الأول: المبادئ العامة للقانون
تم استخلاص هذه المبادئ من روح النصوص القانونية وكذلك من المبادئ الفلسفية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية بواسطة مجلس الدولة الفرنسي من خلال خلقه لقضاء مستقل عن النصوص والمبادئ العامة للقانون أهمية في  عملية الرقابة على تدابير الضبط الإداري, إذ أستعملها القضاء الإداري بكثرة في مجازات قرارات الضبط الإداري المخالفة لهذه المبادئ.
وقد عرفت المحكمة الإدارية العليا في مصر المبادئ العامة للقانون بأنها " قواعد غير مدونة مستقرة في ذهن وضمير الجماعة يعمل القاضي على كشفها بتفسير هذا الضمير الجماعي العام , وتلك القواعد المستقرة في الضمير تمليها العدالة المثلى ولا تحتاج إلى أن يقررها, وبذلك تتميز المبادئ العامة للقانون عن المبادئ الدستورية بحيث إذا نص الدستور على مبدأ من المبادئ العامة للقانون في مثله أصبح ذلك المبدأ دستوري مباشرة .[16]
ومنه فالمبادئ العامة للقانون هي مبادئ غير مشروعة، يستلهمها القاضي من مقومات المجتمع ومن قواعد التنظيم القانوني في الدولة. وهي على سبيل المثال لا الحصر كمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون ، ومبدأ حرية التجارة و الصناعة ...، ومبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية ، و مبدأ حرية العقيدة ، و مبدأ عدم الجمع بين العقوبات ، و مبدأ كفالة حقوق الدفاع.
 ثم إن القاضي ملزم بأن يحكم بالعدل حتى و لو لم يجد نصا في القانون يمكن تطبيقه ، ذلك لأنه يستطيع أن يستلهم المبادئ العامة للقانون، باعتبارها أحد مصادره ، و ذات قوة إلزامية قد تعادل إلزامية المادة القانونية ذاتها . و أن هذه المصادر هي نفسها التي أستلهمها المشرع نفسه عند تقنينه لهذه المادة القانونية. ليس للقاضي أن يتهرب من الحكم في النزاع بحجة عدم و جود نص قانوني، و إلا فإنه يكون قد ارتكب جريمة إنكار العدالة و يكون قد خرج على مقتضى وظيفته و هو أن يحكم بالعدالة.
والمبادئ العامة للقانون يأتي مصدرها من إعلان حقوق الإنسان في 1789، و من الدساتير الوطنية و من المصادر العرفية و أيضا من الشريعة الإسلامية التي تغذى الدساتير, والقوانين الغربية جمعاء .
الفرع الأول: المبادئ العامة المتصلة بفكرة الحرية
أولا: مبدأ إحترام الحريات العامة.
يحمي القضاء الإداري الحريات العامة من تعسف سلطات الضبط الإداري, فحمى حرية الاجتماعية وحرية تكوين الجمعيات, حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية.
ومن بين الحريات التي حماها بقوة القضاء الفرنسي نجد أن مبدأ حرية الصناعة والتجارة, حيث شغل المبدأ حيزا خاصة في القضاء الإداري الفرنسي, وقد أستخلص القضاء الفرنسي هذا المبدأ من المادة 07 من قانون 14 مارس الذي وضع مبدأ النشاط المهني الخاص الحر.
ثانيا: مبدأ حرية التجارة والصناعة
أمام هذا المبدأ لا يمكن لسلطات الضبط الإداري أن تمنع النشاط المهني الخاص , ولا تخصه لنظام الترخيص السابق, بل تستطيع تنظيم النشاط فقط, وبذلك أقر مجلس الدولة الفرنسي عدم مشروعية قرارات الضبط الإداري المخالفة لهذا المبدأ فأقر عدو مشروعية القرار الضبطي المانع لمهنة التصوير الفوتوغرافي [17].
وصدر حكم مجلس الدولة بتاريخ 08 جوان 2005 كان قرار الضبط الإداري المتخذ من قبل عمدة بلدية Houilles  قاضى بمنع فتح sex – shop- بحجة الظروف المحلية والمحافظة على الآداب العامة قد طعن فيه على أساس المس بمبدأ حرية التجارة والصناعة فنظر مجلس الدولة في القرار على أساس المس بهذا المبدأ, وقد قضى بمشروعية القرار المتخذ من فبل العمدة على أساس أن القرار ألضبطي بالنظر للظروف المحلية فإنه لا يمس بمبدأ حرية التجارة والصناعة . [18]
وتجب الإشارة أن المبادئ القانونية المتضمنة للحريات العامة منصوص عليها في الدستور, وقد وضحناها في الفصل الأول, ومن فإن قرارات الضبط الإداري الماسة بهذه الحريات تعتبر غير مشروعة, والقاضي الإداري له أن يفحص الطعون بالإلغاء ضد القرارات المخلة للمبادئ العامة للقانون, ومن أهم المبادئ القانونية  العامة :
-         إحترام مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
-         إحترام مبدأ المساواة أمام القانون.
-         إحترام حقوق الدفاع
الفرع الثاني: المبادئ العامة المتصلة بفكرة المساواة
إن القضاء الفرنسي قد أعطى قيمة كبيرة لهذه المبادئ نظرا لاتصالها بفكرة المساواة, ومن أهم هذه المبادئ نجد:
أولا: مبدأ المساواة أمام القانون
إن مبدأ المساواة أمام القانون قد طبق كثيرا في قرارات الضبط الإداري, وقد رتب القضاء عدم مشروعية القرارات المخالفة لهذا المبدأ, والدليل على ذلك الحكم الصادر من القضاء الإداري الفرنسي والذي قضى بعدم مشروعية قرار ضبط اتخذه العمدة بمنع المواكب والمظاهرات لممارسة شعائر العقيدة, لأن العمدة خالف مبدأ المساواة, أي مساواة المواكب الدينية ببقية المواكب والاستعراضات ( مجلس الدولة 04 ديسمبر 1927).
ثانيا: المساواة في استعمال المال العام
تم الإعمال بهذا المبدأ في القضاء الإداري وذلك في عدة أحكام تخص قرارات الضبط الإداري, خاصة المتعلقة بقرارات الضبط التي تنظم أماكن انتظار السيارات, فقد قضى بعدم المشروعية نتيجة التمييز في المعاملة, وكذلك بالنسبة لتراخيص استعمال الطرق.
المطلب الثاني: حجية الشيء المقضي فيه
كم هو معلوم أن الأحكام الإدارية تصدر مشمولة بصيغة تنفيذية, وبالرغم من هذه الصيغة فإن تنفيذ الأحكام الإدارية تثير عدة مشاكل ميدانية, باعتبار أن أحد أطراف التنفيذ هو الإدارة , وهي شخص معنوي يتمتع بامتيازات السلطة العامة خاصة إذا كان محكوم عليها.[19]
ومسألة حجية الشيء المقضي فيه تثار عند رفض الإدارة تطبيق الحكم الحائز على هذه الحجية, فهي ترتكب مخالفة تعادل مخالفة القانون, ويجوز لصاحب المصلحة أن يرتكز على هذه المخالفة في رفع دعواه أمام القضاء الإداري من أجل إلغاء القرار المخالف للحكم المنطوق به .
وقد قضى مجلس الدولة الفرنسي في عدة قضايا بعدم مشروعية قرارات الضبط الإداري بحجية مخالفة حجية الشيء المقضي فيه ونذكر على سبيل المثال:
-         قضية الآنسة Moualhier  حيث أنها أقامت مستشفى خاص فأصدر عمدة البلدة قرار ضبط يمنع في استقبال وتمريض المرضى المصابين بمرض معدي, فألغى مجلس الدولة القرار ( مجلس الدولة 18 مارس 1898).
وبواسطة قرار ثاني منع العمدة فتح المنازل والملاجئ للاستشفاء من الإمراض المعدية بدون ترخيص, فألغي مجلس الدولة القرار من جديد ( مجلس الدولة 15 فيفري 1901).
وفي المرة الثالثة أصدر العمدة قرار يمنع فيه نقل المرضى المصابين بالمرض المعدي على إقليم البلدة, والمنع من استقبالهم في المساكن الخاصة, فألغى مجلس الدولة القرار وكشف فيه عن مخالفة الشيء المقضي فيه ( مجلس الدولة 24 جانفي 1902) .[20]
خاتمة:
      إنّ الرقابة القضائية على محل قرار الضبط الإداري هي ضمانة حقيقية لحريات الأفراد, وذلك من خلال الدعاوى التي  يتقدم بها أصحاب المصلحة أمام القضاء الإداري من أجل مراقبة مدى مشروعية القرار الصادر من السلطة الإدارية المختصة, فإذا ثبت عدم مشروعية محل القرار فإن القضاء يحكم بإلغائه, إلا أن القاضي الإداري الجزائري قلما يصدر هذه الأحكام, حتى وإن صدرها, فنجد الإدارة تتعسف في تنفيذ هذه الأحكام, ورغم تشديد المشرع على هذا التنفيذ خاصة عندما فرض الغرامة التهديدية.
      أما القاضي الإداري الفرنسي فهو يمارس رقابة دقيقة على هذه القرارات الضبطية, على أساس أنه يعامل الإدارة على قدم المساواة مع الفرد,  هذا من جهة وأن الإدارة تخطئ عند إصدارها للقرارات الإدارية مثلها مثل الأفراد من جهة أخرى.
ومن ثم يجب على المشرع  الجزائري أن يعزز من مكانة القاضي الإداري بدوره كقضاء مستقل يعمل على تكريس دولة القانون وحماية حريات الأفراد من تعسف الإدارة, زيادة على ذلك أن يعطي الضمانة الحقيقية للفرد من خلال إعطائه حق الإدعاء أمام القضاء بمعنى الكلمة, لكن هذا لا يتحقق إلا بمنح القضاء الإداري صلاحيات واسعة تمكنه من ممارسة حق الرقابة على محل القرارات الضبطية .  




[1] حلمي الدقدوقي, رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لأعمال الضبط الإداري, مصر , دار المطبوعات الجامعية , 1989,ص,  289.
[2] أنظر الحكم الصادر من مجلس الدولة الفرنسي في 26أكتوبر 1956.
[3] أنظر المادة 165 من دستور 1996 المعدل بموجب القانون 08-19 المؤرخ في 15نوفمبر 2008 والمتضمن تعديل الدستور, ج, ر, ع, 63.
[4] لمزيد من التفصيل أنظر مقالة الأستاذ مسعود شيهوب , دولة القانون ومبدأ المشروعية , مجلة حوليات , العدد 04 , سنة 2001.
[5] محمود محمد حافظ , القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن , دار النهضة العربية ط1 1993 , ص 14.
[6] عادل سيد فهيم , القوة التنفيذية للقرار الإداري , الدار القومية للطباعة والنشر – دون سنة طبعة, ص 103 .
[7] أنظر محمود محمد حافظ , المرجع السابق , ص 14 .
[8] أنظر عبد المنعم محفوظ , علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها , المجلد الأول والثاني ط2,  دار الهناء للطباعة ,القاهرة ص 16.
[9] أنظر محمد علي سليمان, القضاء اليمني من عموم الولاية إلى التخصص في الرقابة على أعمال  الإدارة, بحث منشور في أعمال المؤتمر السنوي الثامن لجامعة المنصورة ص 15 .
[10] أنظر عبد العزيز عبد المنعم خليفة, أوجه الطعن بإلغاء القرار الإداري, مصر, دار الفكر العربي, 2002, ص, 162.
[11] محمد الصغير بعلي, الوجيز في المنازعات الإدارية, الجزائر, دار العلوم, سنة 2002, ص, 87.
[12] قرار منشور بموقع مجلس الدولة على شبكة الانترنيت .
[13] عبد العزيز عبد المنعم خليفة, المرجع السابق, ص164.
[14] حلمي الدقدوقي, المرجع السابق, ص, 296.
[15] محمد الصغير بعلي, المرجع السابق , ص, 87.
[16] عاطف البنا, الوسيط في القانون الإداري, الطبعة الثانية, القاهرة, دار الفكر العرب, 1992, ص. 429.
[17] زعداوي محمد, الرقابة القضائية على تدابير الضبط الإداري, مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستار في القانون العام, سنة 2006-2007 , ص, 104.
[18]Actualité jurisprudence Droit Administratif, DALLOZ, octobre2005, p, 1853.                                                                        
[19] طاهري حسين, شرح وجيز للإجراءات المتبعة في المواد الإدارية, دار الخلدونية, الجزائر, سنة , 2005, ص, 119.
[20]Jean Castagne, le contrôle juridictionnel de la légalité des actes de police, paris, librairie générale de droit et de jurisprudence, 1964, p, 126.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق